كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)
"اللهم اسقنا غيثا مغيثا مربعا غدقا طبقا نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث، تملأ به الضرع وتنبت به الزرع، وتحيي به الأرض بعد موتها". قال: فما رد -صلى الله عليه وسلم- يديه إلى نحره حتى ألقت السماء بأبراقها، وجاء أهل البطانة يضجون: الغرق الغرق، فقال عليه الصلاة والسلام: "حوالينا ولا علينا"، فانجابت السحابة عن المدينة حتى أحدق حولها كالإكليل، وضحك -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، ثم قال: "لله در أبي طالب، لو كان حيا لقرت عيناه". من ينشدنا قوله؟ فقال علي: يا رسول الله كأنك تريد قوله:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
__________
يجر رداءه" من العجلة لما جبل عليه من الرأفة والرحمة "حتى صعد" بكسر العين "المنبر، فرفع يديه" بالتثنية "إلى السماء، ثم قال: "اللهم اسقنا" عمم الطلب فلم يقل: اسقهم "غيثا" مطرا "مغيثا" لنا من هذه الشدة "مربعا غدقا" بمعجمة فمهملة كثير القطر "طبقا" بفتحتين "نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث" بمثلثة، أي: بطيء "تملأ به الضرع" للمواشي "وتنبت به الزرع وتحيي به الأرض" بالنبات "بعد موتها" يبسها تشبيها بالحيوان الذي إذا مات يبس.
"قال" أنس: "فما رد -صلى الله عليه وسلم- يديه إلى نحره حتى ألقت السماء بأبراقها:" جمع برق ما يلمع من السحاب "وجاء أهل البطانة" أي: الساكنون خارج المدينة "يضجون" يصيحون: "الغرق الغرق" بالتكرير "فقال عليه السلام:" أنزل المطر "حوالينا ولا" تنزله "علينا، فانجابت": خرجت "السحابة عن المدينة حتى أحدق" أي: دار "حولها كالإكليل" المحيط بالشيء "وضحك -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه" فرحا بزوال الكرب عن أمته "ثم قال: "لله در أبي طالب، لو كان حيا لقرت عيناه": بردت وسكنت كناية عن السرور "من ينشدنا قوله فقال علي: يا رسول الله كأنك تريد قوله" في قصيدته الطويلة التي قالها لما تمالأت قريش على النبي -صلى الله عليه وسلم: ونفروا عنه من يريد الإسلام يذكرهم يده عليهم وبكرته من صغره، وهي ثلاثة وثمانون بيتا عند ابن إسحاق، وقال المصنف: عدة أبياتها مائة بيت وعشرة أبيات، وسبق منها جملة في أوائل المقصد الأول "وأبيض" بفتح الضاد المعجمة مجرور برب مقدرة أو منصوب بإضمار، أعني: أو أخص، والراجح أنه بالنصب عطفا على سيد المنصوب في البيت الذي قبله وهو:
وما ترك قوم لا أبا لك سيدا ... بحوط الذمام غير ذرب مواكل
أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف، أي: هو أبيض "يستسقي" مبني للمفعول "الغمام" السحاب "بوجهه" أي: ذاته، أي يتوسل إلى الله به "ثمال" بكسر المثلثة وخفة الميم هو العماد والملجأ والمطعم والمغيث والمعين والكافي أطلق على كل ذلك، ويصح إرادة الجميع هنا "اليتامى عصمة للأرامل" أي: يمنعهم مما يضرهم والأرامل المساكين من رجال ونساء، ويقال