كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

قلت: وقد أخرج ابن عساكر عن جلهمة بن عرفطة قال: قدمت مكة، وهم في قحط، فقالت قريش: يا أبا طالب، أقحط الوادي وأجدب العيال وأنت فيهم أما تستسقي؟ فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنه سحابة قتماء، وحوله أغيلمة، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ الغلام بأصبعه وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من ههنا وههنا، وأغدق السحاب وأغدودق وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي، وفي ذلك يقول أبو طالب:
__________
إلى التعقب على هذا الاحتمال بقوله: "قلت: وقد أخرج ابن عساكر عن جلهمة" بضم الجيم وتفتح "ابن عرفطة" بضم العين والفاء "قال: قدمت مكة وهم" أي: أهلها "في قحط" بسكون الحاء وتفتح، أي: شدة لاحتباس المطر عنهم "فقالت قريش:" بعد أن تشاوروا، فلفظه عند ابن عساكر عن جلهمة: قدمت مكة وقريش في قحط، فقائل منهم يقول: اعمدوا اللات والعزى، وقائل منهم: اعمدوا مناة الثالثة الأخرى، فقال شيخ وسيم حسن الوجه جيد الرأي: أنى تؤفكون وفيكم باقية إبراهيم وسلالة إسماعيل، قالوا: كأنك عنيت أبا طالب؟، قال: أيها، فقاموا بأجمعهم، فقمت قدققنا عليه الباب، فخرج إلينا فثاروا إليه، فقالوا: "يا أبا طالب أقحط" بالبناء للفاعل والمفعول "الوادي" أصابه القحط "وأجدب العيال وأنت فيهم" من ذرية إسماعيل وإبراهيم "أما تستسقي:" تطلب من الله السقيا "فخرج أبو طالب ومعه غلام" هو النبي -صلى الله عليه وسلم "كأنه شمس دجن" بضم المهملة الجيم وشد النون على مفاذ قول المجد كعتل الظلمة، ثم يجوز أنه منون على الوصف، أي: كسبت ظلمة، والإضافة، أي: شمس ليلة ذات ظلمة، أو ذات يوم دجن، أي: مظلم "تجلت عنه سحابة قتماء" بقاف مفتوحة فوقية ساكنة والمد تأنيث أقتم، أي: يعلوها سواد غير شديد، وهذا من بديع التشبيه، فإن شمس يوم الغيم حين ينجلي سحابها الرقيق تكون مضيئة مشرقة مقبولة للناس ليست محرقة "وحوله أغيلمة" تصغير أغلمة، إشارة إلى صغرهم؛ لأن الغلام قد يطلق على البالغ "فأخذه" أي: الغلام "أبو طالب فألصق ظهره" أي: ظهر الغلام "بالكعبة ولاذ" التجأ "الغلام بأصبعه" أي: أصبع نفسه السبابة على الظاهر؛ لأنها التي يشار بها غالبا، ولعل المعنى: أشار به إلى السماء كالمتضرع الملتجئ "وما في السماء قزعة" بفتحات قطعة سحاب "فأقبل السحاب من ههنا ومن ههنا" أي: من جميع الجهات، لا من جهة دون أخرى "وأغدق السحاب" أي: كثرة ماؤه والإسناد مجازي "واغدودق" عطف مرادف "وانفجر له الوادي" بالمطر "وأخصب النادي" بالنون أهل الحضر "والبادي" أهل البادية، أي: أخصبت الأرض للفريقين "وفي ذلك يقول أبو طالب" يذكر قريشا حين تمالؤوا عليه -صلى الله عليه وسلم- بركته عليهم من صغره لا في هذا الوقت، فلا يخالف قول ابن إسحاق؛ أنه قال: القصيدة لما تمالأت قريش على

الصفحة 143