كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)
فكان عليه الصلاة والسلام يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأخروا الظهر يوما، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ودخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا.
وفي رواية أبي داود والترمذي من حديث معاذ بن جبل: كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، فإن رحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك: إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن ارتحل قبل أن تغيب أخر المغرب حتى ينزل العشاء، ثم يجمع بينهما.
__________
في غزوة تبوك، فكان عليه الصلاة والسلام يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء" أي: جمع تأخير، كذا حمله الباجي "فأخروا الظهر" لفظ الموطأ ومسلم: فأخر الصلاة "يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا" جمع تأخير، وحمله بعضهم على الجمع الصوري، بأن صلى الظهر في آخر وقتها والعصر في أوله، ورده الخطابي وابن عبد البر وغيرهما بأن الجمع رخصة، فلو كان صوريا لكان أعظم ضيقا من الإتيان بكل صلاة في وقتها؛ لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلا عن العامة، وصريح الأخبار أن الجمع في وقت إحدى الصلاتين وهو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع "ودخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا".
قال الباجي: مقتضاه أنه مقيم غير سائل؛ لأنه إنما يستعمل غالبا في الدخول إلى الخباء والخروج منه، إلا أن يريد دخل إلى الطريق مسافرا، ثم خرج عن الطريق للصلاة، ثم دخله للسير وفيه بعد، وكذا نقله عياض، واستبعده ولا شك في بعده وفيه جمع المسافر نازلا وسائرا وكأنه -صلى الله عليه وسلم- فعله لبيان الجواز، وأكثر عادته ما يدل عليه حديث أنس السابق، وقد قال المالكية والشافعية: ترك الجمع أفضل للمسافر، وعن مالك رواية بكراهته. وهذه الأحاديث تخصص الأوقات التي بينها جبريل وبينها النبي -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي بقوله في آخرها: "الوقت ما بين هذين".
"وفي رواية أبي داود والترمذي من حديث" شيخهما قتيبة بن سعيد عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة "معاذ بن جبل:" أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر" جمع تقديم "فإن رحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر" فيصليهما جميعا كما في الرواية "وفي المغرب" يفعل "مثل ذلك" وأوضحه فقال: "إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن ارتحل قبل أن تغيب آخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم يجمع بينهما" تأخيرا، وهذا الحديث أعله جماعة من الأئمة بتفرد قتيبة به عن الليث، بل ذكر البخاري