كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)
القسم الرابع: في ذكر صلاته -صلى الله عليه وسلم- الخوف
عن جابر قال: أقبلنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا كنا بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة، تركناها للنبي -صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معلق بالشجرة، فاخترطه فقال: تخافني؟ فقال: "لا"، فقال: من يمنعك مني؟ قال: "الله"، قال: فهدده أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم، فغمد السيف وعلقه، فأقيمت الصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكان للنبي -صلى الله عليه وسلم- أربع ركعات، وللقوم ركعتان. رواه البخاري
__________
"القسم الرابع: في ذكر صلاته -صلى الله عليه وسلم- الخوف"
أي: صلاة الفرض فيه "عن جابر" بن عبد الله" قال: أقبلنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا كنا" بالموضع الذي سميت غزوتنا إليه "بذات الرقاع" جمع رقعة، سميت الغزوة بذلك؛ لأنهم عصبوا أرجلهم بالخرق لما رقت وقطعت الأرض جلودها من الحفاء أو لغير ذلك، وهي غزوة بني محارب وبني ثعلبة وأنمار، فليس المراد أن ذات الرقاع اسم موضع كما قد يتوهم، وقد مر ذلك موضحا في المغازي "فإذا أتينا" إذا ظرفية لا شرطية، أي: في وقت إتياننا "على شجرة ظليلة" ذا ظل "تركناها للنبي -صلى الله عليه وسلم" لينزل تحتها فيستظل بها.
وفي رواية للبخاري عن جابر أنه غزا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل نجد فلما قفل قفل معه، فأدركتهم القافلة في واد كثير العضاء، فنزل -صلى الله عليه وسلم، وتفرق الناس يستظلون بظل الشجر، ونزل -صلى الله عليه وسلم- تحت سمرة فنمنا نومة "فجاء رجل من المشركين" اسمه غورث، بمعجمة أوله ومثلثة آخره وزن جعفر، وحكي غويرث بالتصغير "وسيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معلق بالشجرة فاخترطه" بخاء معجمة ساكنة وطاء مهملة، يعني سله من غمده "فقال: تخافني، فقال: "لا"، فقال: من يمنعك مني؟ " زاد في رواية للبخاري ثلاث مرات، وهو استفهام إنكاري، أي: لا يمنعك مني أحد؟ "قال: "الله" يمنعني منك "قال: فهدده أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم، فغمد السيف وعلقه" بالشجرة.
قال الحافظ: ظاهره يشعر أنهم حضروا القصة، وأنه إنما رجع عما كان عزم عليه بالتهديد وليس كذلك، ففي رواية البخاري في الجهاد بعد قوله: قلت: "الله" فشام السيف بفاء ومعجمة، أي: أغمده وهي من الأضداد شامه استله وأغمده، وكان الأعرابي لما شاهد ذلك الثبات العظيم، وعرف أنه حيل بينه وبينه وتحقق صدقه وعلم أنه لا يصل إليه شام السيف، وأمكن من نفسه "فأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين" لفظ البخاري ولفظ مسلم: فصلى بالطائفة، أي: الأولى ركعتين "ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكان للنبي -صلى الله عليه وسلم- أربع ركعات