كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

وهي كانت صلاة الأنبياء قبل محمد صلوات الله وسلامه عليه، قال الله تعالى مخبرا عن داود: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} فأبقى الله تعالى من ذلك في دين محمد "العصر" ونسخ صلاة الإشراق.
واحتج القائلون بالنفي بحديث عائشة: أن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدع العمل وهو يحب أن يعمل خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم -وما سبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها، رواه البخاري ومسلم ومالك
__________
التواتر. قال ابن العربي: وهي كانت صلاة الأنبياء قبل محمد صلوات الله وسلامه عليه، قال الله تعالى مخبرا عن داود: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ} [ص: 18] بتسبيحه "بالعشي" وقت صلاة العصر {وَالْإِشْرَاقِ} [ص:18] وقت صلاة الضحى، وهي أن تشرق الشمس ويتناهى ضوءها "فأبقى الله تعالى من ذلك في دين محمد" صلى الله عليه وسلم "العصر ونسخ صلاة الإشراق" أي وجوبها. وفي نسخ بدل نسخ وتسبيح صلاة الإشراق، أي وأبقى تسبيح. ومعلوم أن الإبقاء في العصر للوجوب، وفي الثاني للاستحباب. أخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس قال: طلبت صلاة الضحى في القرآن فوجدتها ههنا يسبحن بالعشي والإشراق.
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لم أر صلاة الضحى في موضع من القرآن إلا في قوله: {يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} [ص: 18] .
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن ابن عباس قال: كنت أمر بهذه الآية فما أدري ما هي حتى حدثتني أم هانئ أن النبي -صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى الضحى ثم قال: "يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق".
وروى ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن عباس قال: إن صلاة الضحى لفي القرآن وما يغوض عليها إلا غواص في قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور: 36] .
وروى الأصفهاني في الترغيب عن عوف العقيلي في قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25] ، قال: الذين يصلون الضحى. "واحتج القائلون بالنفي بحديث عائشة: أن" مخففة من الثقيلة أي أنه "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدع العمل وهو يحب أن يعمل" بفتح التحتية. وفي رواية: أن يعمله بالضمير "خشية" بالنصب، أي لأجل خشية "أن يعمل به الناس فيفرض عليهم" بالنصب عطفا على يعمل، وليس المراد تركه أصلا، وقد فرض عليه، أو استحب، بل ترك أمرهم أن يعملوا معه لما مر أنهم لما اجتمعوا في رمضان للتهجد معه لم يخرج إليهم في الليلة الرابعة، ولا شك أنه صلى حزبه تلك الليلة. "وما سبح رسول الله" إنما

الصفحة 24