كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

الفرع الثاني: في ركعتي الفجر
قالت عائشة: لم يكن صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدًا منه على ركعتي الفجر. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.
ولمسلم: "لهما أحب إلي من الدنيا جميعها".
وكان يصليهما إذا سكت المؤذن بعد أن يستنير الفجر ويخففهما. رواه الشيخان وهذا لفظ النسائي.
واختلف في حكمة تخفيفهما فقيل: ليبادر إلى صلاة الصبح في أول
__________
بروايتيه إلا أن لفظ البخاري: ركعتان لم يكن يدعهما، أي يتركهما، ولفظ مسلم في آخر حديث بلفظ وصلاتان.. إلخ، وهما المراد بقولها: ركعتان؛ لأنها فسرتهما بعده بأربع "الثاني في ركعتي الفجر قالت عائشة: لم يكن صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدا" أي تفقدا وتحفظا. وعند ابن خزيمة أشد معاهدة "منه على ركعتي الفجر".
وفي رواية لمسلم: ما رأيته إلى شيء من الخير أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر. زاد ابن خزيمة ولا إلى غنيمة "رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي" وفيه دليل على عظم فضلهما. قال الطيبي على متعلقه بتعاهد، ويجوز تقديم معمول التمييز عليه والتعهد المحافظة على الشيء ورعاية حرمته، قال: والظاهر أن خبر لم يكن على شيء، أي لم يكن يتعاهد وأشد تعاهدا حال أو مفعول مطلق على تأويل أن يكون التعاهد متعاهدًا كقوله تعالى: {يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ} [النساء: 77] ، أو أشد خشية على الوجهين.
"ولمسلم" عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في شأن الركعتين عند طلوع الفجر: "لهما أحب إلي من الدنيا جميعها" وفي مسلم أيضا عن عائشة مرفوعا: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها"، أي متاعها الصرف فلا يرد أن من جملة متاعها الفجر، فإن قيل: لا خصوصية للفجر بل تسبيحة أو تكبيرة خير فضلا عن ركعين نافلة فضلا عن ركعتي الفجر، أجاب الأبي بأن الخصوصية مزية النص عليهما دون غيرهما، فإنه يدل على تأكيدهما وكونهما خيرا من الدنيا لا يقتضي ذم الدنيا. انتهى.
وقال الطيبي: إن حملت الدنيا على أعراضها وزهرتها فالخير، أما على زعم من يرى فيها خيرا ويكون من باب، أي الفريقين خير مقاما، وإن حمل على الإنفاق في سبيل الله فتكون هاتان الركعتان أكثر ثوابا. "وكان يصليهما إذا سكت المؤذن بعد أن يستنير" أي يضيء ويطلع "الفجر ويخففهما" زادت في رواية للشيخين حتى إني أقول هل قرأ فيهما بأم القرآن أم لا؟ "رواه

الصفحة 39