كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)
وفي هذا دليل على جواز استظلال المحرم بالمحل ونحوه، وقد مر أنه -صلى الله عليه وسلم- ضربت له قبة من شعر بنمرة.
وفي رواية جابر عند مسلم وأبي داود قال: رأيته -صلى الله عليه وسلم- يرمي على راحلته يوم النحر، وهو يقول: "خذوا عني مناسككم لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه".
وفي رواية قدامة عند الترمذي رأيته يرمي الجمار على ناقة له صهباء، ليس
__________
يقصد حقيقة القتل، إذ لم يكونوا ليفعلوه، إنما أراد أذى بعضهم لبعض بالمزاحمة، فسماه قتلا مجازا بقرينة قول الراوي أولا، وازحم الناس، لكن قوله: "وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف" قد يدل على النهي عن القتل الحقيقي، بأن يرموا بحجارة كبار إذا أصابت شخصا قتلته، ولعل المراد الأمر؛ أن بناء على استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، قاله الولي وأمرهم مع رميه بمثلها؛ لأنهم كلهم لم يروا رميه لكثرتهم.
"وفي هذا دليل على جواز استظلال المحرم بالمحمل ونحوه، وقد مر أنه -صلى الله عليه وسلم- ضربت له قبة:" خيمة "من شعر بنمرة" بفتح النون وكسر الميم الاستظلال بالخيمة والسقف مجمع على جوازه كاستظلاله بيده، إنما الخلاف في تظليله بنحو الثوب على رأسه بلا مماساة فأجازه الشافعي راكبا أو ماشيا.
وقال مالك وأحمد: لا يجوز، وأجابوا عن حديث أم الحصين ونحوه: بأنه استظلال خفيف لا يكاد يدوم.
"وفي رواية جابر عند مسلم وأبي داود، قال: رأيته -صلى الله عليه وسلم- يرمي على راحلته يوم النحر" ففيه استحباب رميها حين وصوله على الحالة التي وصلها عليها، إن راكبا فراكب، وإن ماشيا فماش، وقاله مالك والشافعي "وهو يقول: "خذوا عني منسككم".
وفي رواية: "لتأخذوا" بلام مكسورة بعدها فوقية، قال النووي: هذه لام الأمر ومعناها: خذوا، وتقديره هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وهي مناسككم، فخذوها عني واقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس، فإني "لا أدري" ما يفعل بي "لعلي" مستأنف، أي: أظن أني "لا أحج بعد حجتي هذه" ويحتمل أن لعل للتحقيق كما يقع في كلام الله تعالى كثيرا.
وقال النووي: فيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه وانتهاز الفرصة من ملازمته، وتعلم أمور الدين، وبهذا سميت حجة الوداع.
"وفي رواية قدامة" بضم القاف والتخفيف ابن عبد الله بن عمار العامري الكلابي صحابي قليل الحديث، قال البغوي: سكن مكة، وقال ابن السكن: أسلم قديما، ولم يهاجر،