كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

ثم أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منزله بمنى، ثم قال للحلاق: "خذ"، وأشار بيده إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس. وفي رواية: أنه قال لحلاق: "ها"، وأشار بيده إلى الجانب الأيمن، فقسم شعره بين من يليه، ثم أشار إلى الحلاق إلى الجانب الأيسر فحلقه وأعطاه أم سليم. وفي أخرى: فبدأ بالشق الأيمن فوزعه
__________
والأربعة فزيادته مقبولة، فإنه قد حفظ ما لم يحفظ غيره وزيادته ليست مخالفة لغيره، فإن رواية معمر: ما ذبح إلا بقرة أريد بها الجنس، أي: لا بعير ولا غنم حتى لا تخالف الرواية الصريحة أن عن كل واحدة بقرة، فمن شرط الشذوذ أن يتعذر الجمع، وقد أمكن فلا تأييد فيها لرواية يونس التي حكم القاضي بشذوذها؛ لأنه انفرد بقوله واحدة، وإسماعيل من الحفاظ لا يجهل أن يونس ثقة حافظ، وإنما حكم بشذوذ روايتيه ومخالفة غيره له على القاعدة؛ أن الشاذ ما خالف الثقة فيه الملأ، بل اكتفى الحاكم بالتفرد وإن لم يخالف كما في متن الألفية.
وقد رواه البخاري في الأضاحي ومسلم من طريق ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة: ضحى -صلى الله عليه وسلم- عن نسائه بالبقرة، ورواه مسلم أيضا عن عبد العزيز الماجشون عن عبد الرحمن بسنده، بلفظ: أهدى.
قال الحافظ: والظاهر أن التصرف من الرواة؛ لأنه ثبت في الحديث ذكر النحو فحمله بعضهم على الأضحية، لكن رواية أبي هريرة صريحة في أنه كان عمن اعتمر من نسائه، فقويت رواية من رواه بلفظ: أهدى، وبان أنه للتمتع، فلا حجة فيه على قول: مالك لا ضحايا على أهل منى.
"ثم أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم" بعد رمي الجمرة إلى "منزله" الذي نزل فيه "بمنى" ونحر، كما في هذه الرواية: "ثم قال للحلاق: "خذ" وأشار بيده إلى جانبه الأيمن" لأن الحلق هنا عبادة والتيامن فيها مستحب "ثم الأيسر".
وعن أبي حنيفة: يقدم الأيسر، وأن اليمين هنا يمين الحلاق؛ لأنه من باب النزع فيبدأ فيه بالأيسر.
قال الأبي: ولا يخفى عليك أنه ليس من باب النزع بل هو عبادة، وفي بعض الطرق: أضاف اليمين إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كما هو ظاهر أحاديث الباب.
"ثم جعل" صلى الله عليه وسلم "يعطيه" أي: شعره "الناس" للتبرك به واستشفاعًا إلى الله بما هو منه وتقربا بذلك إليه.
"وفي رواة: أنه" عليه السلام "قال للحلاق: "ها" بألف بلا همز "وأشار بيده" الكريمة "إلى الجانب الأيمن" فيه حذف تقديره احلق فحلق "فقسم شعره بين من يليه" من الصحابة "ثم أشار إلى الحلاق إلى الجانب الأيسر فحلقه وأعطاه" أي: شعره "أم سليم" بنت ملحان

الصفحة 436