كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)
الشعرة والشعرتين بين الناس، ثم قال بالأيسر، فصنع مثل ذلك، م قال: "ها هنا أبو طلحة"؟ فدفعه إليه. وفي أخرى: رمى جمرة العقبة ثم انصرف إلى البدن فنحرها والحجام جالس، وقال بيده عن رأسه، فحلق الشق الأيمن فقسمه بين من يليه، ثم قال: "احلق الشق الآخر "، فقال: "أين أبو طلحة"؟ فأعطاه إياه. رواه الشيخان.
وعند الإمام أحمد: أنه استدعى الحلاق فقال له وهو قائم على رأسه
__________
والدة أنس.
"وفي أخرى: فبدأ بالشق الأيمن" فحلقه "فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس، ثم قال: بالأيسر، فصنع مثل ذلك، ثم قال: "ههنا" بتقدير همزة الاستفهام "أبو طلحة" زيد بن سهل الأنصاري "فدفعه" أي: الشعر "إليه".
"وفي أخرى:" أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم "رمى جمرة العقبة، ثم انصرف إلى البدن" بضم فسكون "فنحرها والحجام جالس، وقال" أي: أشار "بيده عن رأسه" احلق "فحلق شقه الأيمن، فقسمه بين من يليه" من الناس "ثم قال: احلق الشق الآخر" الأيسر، فحلقه "فقال: "أين أبو طلحة؟ فأعطاه إياه" أي: المحلوق من الشق الأيسر "رواه" أي: المذكور من هذه الروايات "الشيخان" من طرق مدارها على محمد بن سيرين، عن أنس.
وفي مسلم أيضا: تلو هذه الروايات عن أنس، قال: لما رمى -صلى الله عليه وسلم- الجمرة ونحر نسكه وحلق، ناول الحالق شقه الأيمن، فحلق ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر، فقال: "احلق" فحلقه فأعطاه أبا طلحة، فقال: "اقسمه بين الناس"، قال أبو عبد الله الأبي: إعطاؤه لأبي طلحة ليس بمخالف لقوله: "اقسمه بين الناس"، لاحتمال أن يكون أعطاه له ليفرقه ويبقى النظر في اختلاف الروايات في الجانب الأيسر، ففي الأولى؛ أنه فرقه كالأيمن، وفي الثاني؛ أنه أعطاه أم سليم، وفي الثالثة؛ أنه أعطاه أبا طلحة، وفي الرابعة؛ أنه أعطى شعر الشقين لأبي طلحة، فيحتمل أنه أعطاه أم سليم لتعطيه لزوجها أبي طلحة ليفرقه.
ويحتمل أنه أعطى الشعر لأبي طلحة على أن يعطيه أبو طلحة لأم سليم لتفرقه على النساء، وذكر الشعر والشعرتين يدل على كثرة الحاضرين، وفيه التبرك بآثار الصالحين. انتهى.
وليس في جمعه المذكور شفاء وإنما قسم شعره في أصحابه ليكون بركة باقية بينهم وتذكرة لهم، وكأنه أشار بذلك إلى اقتراب الأجل، وخص أبا طلحة بالقسمة التفاتا إلى هذا المعنى؛ لأنه هو الذي حفر قبره ولحد له وبنى فيه اللبن، وفيه تخصيص الإمام الكبير بما يفرقه عليهم من عطاء وهدية ونحوهما.
"وعند الإمام أحمد أنه" صلى الله عليه وسلم "استدعى الحلاق، فقال له وهو قائم على رأسه