كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)
وعن أبي بكرة قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر فقال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة، والمحرم،
__________
الفتح، وأيضا فالحكم إذا رتب على وصف يمكن أن يكون معتبرا لم يجز اطراحه، ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم، فلا يمكن اطراحه بإلحاق العمد به، إذ لا يساويه، وأما التمسك بقول الراوي فما سئل ... إلخ، لإشعاره بأن الترتيب مطلقا غير مراعى، فجوابه أن هذا الإخبار من الراوي تعلق بما وقع السؤال عنه، وهو مطلق بالنسبة إلى حالة السائل، والملطق لا يدل على أحد الخاصين، فلا يبقى حجة في حالة العمد. انتهى.
"وعن أبي بكرة" نفيع بنون وفاء مصغر ابن الحارث الثقفي "قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر" بمنى عند الجمرة "فقال: "إن الزمان" اسم لقليل الوقت وكثيره، والمراد هنا السنة "قد استدار" استدارة "كهيئته" أي: مثل حالته، فالكاف صفة مصدر محذوف.
قال الحافظ: والمراد باستدارته وقوع تاسع الحجة في الوقت الذي حلت فيه الشمس برج الحمل حيث يستوي الليل والنهار، وفي حديث ابن عمر عند ابن مردويه: أن الزمان قد استدار فهو اليوم كهيئته "يوم خلق الله السماوات والأرض" وعاد الحج إلى ذي الحجة وبطل النسيء وهو تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر، وذلك أنهم كانوا يستحلون القتال في محرم لطول مدة التحريم بتوالي ثلاثة أشهر حرام، ثم يحرمون صفر مكانه، فكأنهم يقترضونه ثم يوفونه، وقيل: كانوا يحلون المحرم مع صفر من عام ويسمونهما صفرين ثم يحرمونهما من عام قابل ويسمونهما محرمين، وقيل: بل كانوا ربما احتاجوا إلى صفر أيضا، فأحلوه وجعلوا مكانه ربيعا، ثم يدور كذلك التحريم والتحليل بالتأخير على السنة كلها إلى أن جاء الإسلام، فوافق حجة الوداع رجوع التحريم إلى المحرم الحقيقي، واختص الحج بوقت معين، واستقام حساب السنة ورجع إلى الأصل الموضوع يوم خلق الله السماوات والأرض "السنة" العربية الهلالية "اثنا عشر شهرا".
ذكر الطبري في سبب ذلك عن أبي مالك، قال: كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرا، ومن وجه آخر: كانوا يجعلون السنة اثني عشر شهرا وخمسة وعشرين يوما، فتدور الأيام والشهور لذلك، وإنما جعل الله الاعتبار بالقمر؛ لأن ظهوره في السماء لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب، بل هو ظاهر مشاهد بالبصر بخلاف سير الشمس فتحتاج معرفته إلى حساب، فلم يحوجنا إلى ذلك كما قال -صلى الله عليه وسلم: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا".
"منها أربعة حرم" لعظم حرمتها وحرمة الذنب فيها، أو لتحريم القتال فيها وفسرها بقوله: "ثلاث متواليات" أي: متتابعات.