كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان". وقال: "أي شهر هذا"؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أليس ذا الحجة"؟ قلنا:
__________
قال ابن التين: الصواب ثلاثة متوالية، يعني: لأن المميز الشهر، قال: ولعله أعاد على المعنى، أي: ثلاث مدد متواليات. انتهى، أو باعتبار العدة مع أن الذي لا يذكر التمييز معه جائز فيه التذكير والتأنيث "ذو القعدة وذو الحجة" بفتح القاف والحاء قاله المصنف، ولعله الرواية "والمحرم ورجب مضر" عطف على ثلاث لا على المحرم، وأضافه إلى مضر؛ لأنها كانت تحافظ على تحريمه أشد من محافظة سائر العرب ولم يكن يستحله أحد من العرب، كذا قال المصنف.
وفي فتح الباري أضافه إليهم؛ لأنهم كانوا يتمسكون بتعظيمه بخلاف غيرهم، فيقال: كانت ربيعة تجعل بدله رمضان، وكان من العرب من يجعل في رجل وشعبان ما ذكر في المحرم وصفر فيحلون رجبا ويحرمون شعبان، ووصفه بقوله: "الذي بين جمادى وشعبان" تأكيدا وإزاحة للريب الحادث فيه من النسيء، وقيل: الأشبه أنه تأسيس؛ لأنهم كانوا يؤخرون الشهر عن موضعه إلى شهر آخر فينتقل عن وقته الحقيقي، فالمعنى لا رجب الذي هو عندكم وقد أنسأتموه.
قال الحافظ: وذكرها من سنتين لمصلحة توالي الثلاثة، إذ لو بدأ بالمحرم لفات مقصود التوالي، قال: وأبدى بعضهم لما استقر عليه الحال من ترتيب هذه الأشهر الحرم مناسبة لطيفة حاصلها أن لها مزية على ما عداها، فناسب أن يبدأ بها العام ويتوسطه ويختم بها، وإنما ختم بشهرين لوقوع الحج ختام الأركان الأربع لاشتمالها على عمل مال محض، وهو الزكاة وعمل بدن محض، وذلك تارة بالجوارح وهو الصلاة، وتارة بالقلب وهو الصوم؛ لأنه كف عن المفطرات، وتارة عمل مركب من مال وبدن وهو الحج، فلما جمعهما ناسب أن يكون له ضعف ما لواحد منها، فكان له من الأربعة الحرم شهران.
"وقال: "أي شهر هذا"؟ قال البيضاوي: يريد تذكيرهم حرمة الشهر وتقريرها في نفوسهم ليبني عليها ما أراد تقريره، وقولهم: "قلنا: الله ورسوله أعلم" مراعاة للأدب، وتحرز عن التقدم بين دي الله ورسوله، وتوقف فيما لا يعلم الغرض من السؤال عنه، وذلك من حسن أدبهم؛ لأنهم علموا أنه لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب، وأنه ليس مراده مطلق الإخبار مما يعرفونه، ولذا قالوا: "فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه" إشارة إلى تفويض الأمور كلها إليه "قال: "أليس ذا الحجة" بالنصب خبر ليس، وفي رواية: ذو بالرفع اسمها والخبر محذوف، أي: أليس ذو الحجة هذا الشهر "قلنا: بلى" هو ذو الحجة "قال: "أي بلد هذا"؟ بالتذكير "قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أليس البلد الحرام" مكة.

الصفحة 449