كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

بلى، قال: "أي بلد هذا"؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أليس البلد الحرام"؟ قلنا: بلى، قال: "فأي يوم هذا"؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أليس يوم النحر"؟ قلنا: بلى، قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم
__________
ولفظ البخاري: في الحج، قال: "أليس بالبلدة الحرام"؟، ولفظه في الأضاحي، قال: "أليس البلدة" بالتأنيث، أي: مكة "قلنا: بلى، قال: "فأي يوم هذا"؟، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: "أليس" هو "يوم النحر" الذي ينحر فيه الأضاحي في سائر الأقطار والهدايا بمنى، فيوم بالنصب خبر ليس، ويجوز رفعه اسمها وحذف الخبر، أي: هذا اليوم "قلنا: بلى" حرف مختص بالنفي ويفيد إبطاله، وتمسك به من خص النحر بيوم العيد لإضافته اليوم إلى جنس النحر؛ لأن اللام هنا جنسية فتعم، فلا يبقى نحر إلا في ذلك اليوم، وأجاب الجمهور: بأن المراد النحر الكامل المفضل وأل كثيرًا ما تستعمل للكمال نحو، ولكن البر وإنما الشديد الذي يملك نفسه.
قال القرطبي: والتمسك بإضافة النحر إلى اليوم الأول ضعيف مع قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] ، وفي حديث أبي بكرة: هذا أنهم قالوا: الله ورسوله أعلم، وسكتوا حتى أخبرهم.
وفي البخاري عن ابن عباس، أنه -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس يوم النحر، فقال: "أي يوم هذا"؟، قالوا: يوم حرام، قال: "أي بلد هذا"؟، قالوا: "بلد حرام" قال: "فأي شهر هذا"؟، قالوا: شهر حرام.. الحديث، وظاهرهما التعارض، وأجيب بأن الطائفة الذين كان فيهم ابن عباس، أجابوا: والذين كان فيهم أبو بكرة ردوا العلم لله ورسوله، وسكتوا حتى أخبر، فقالوا: بلى، وبأن في حديث ابن عباس اختصارا، ورواية بالمعنى، فإن بلى بمعنى يوم حرام بالاستلزام، ونقل أبو بكرة السياق بتمامه، واختصره ابن عباس وكان ذلك بسبب قرب أبي بكرة منه؛ لأنه كان آخذا بخطام الناقة كما في رواية الإسماعيلي، وباحتمال تعدد السؤال في الخطبة مرتين.
ففي حديث أبي بكرة فخامة ليست في حديث ابن عباس لزيادة لفظة: "أتدرون"، فلذا سكتوا وفوضوا إليه، وأجابوا في السؤال الآخر العاري عن قوله: "أتدرون"، وأما احتمال أنه خطب مرتين يوم النحر، فتعقب بأنه إنما خطب مرة واحدة كما دل عليه صريح الأحاديث.
قال القرطبي: سؤاله -صلى الله عليه وسلم- عن الثلاثة وسكوته بعد كل سؤال منها كان لاستحضار فهو مهم، وليقبلوا عليه بكليتهم ويستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه، ولذا قال بعده: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم": جمع عرض بكسر العين موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في

الصفحة 450