كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

"هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا هل بلغت"؟ قالوا:
__________
نفسه أو سلفه.
وقال التوربشتي: أنفسكم وأحسابكم، فإن العرض يقال للنفس والحسب، يقال: فلان نفى العرض، أي: بريء أن يعاب، ورد بأنه لو أريد النفوس لتكرر مع الدماء، إذ المراد بها النفوس.
وقال الطيبي: الظاهر أن المراد لأخلاق النفسانية، ثم قال: والتحقيق ما في النهاية أن العرض موضع المدح والذم من الإنسان، ولذا قيل: العرض النفس إطلاقًا للمحل على الحال. انتهى، وهو على حذف مضاف، أي سفك دمائكم وأخذ أموالكم وثلب أعراضكم، كذا قال الزركشي وتبعه الحافظ وغيره، وتعقبه الدماميني؛ بأن كل ذلك إنما يحرم إذا كان بغير حق، فالإفصاح به متعين والأولى أن يقدر في الثلاثة كلمة واحدة وهي لفظة انتهاك التي موضوعها تناول شيء بغير حق كما نص عليه القاضي، فكأنه قال: فإن انتهاك دمائكم وأموالكم وأعراضكم ولا حاجة إلى تقدير مع كل واحد من الثلاثة لصحة انسحابه على الجميع، وعدم احتياجه إلى التقييد بغير الحقية. "عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا" زاد في بعض روايات البخاري: إلى يوم تلقون ربكم.
قال المصنف: بحر يوم من غير تنوين، ويجوز فتحه وكسره مع التنوين، والأول هو المروي. انتهى، ومناط التشبيه أن تحريم هذه الثلاثة كان ثابتا في نفوسهم مقررا عندهم عادة لسلفهم، ولذا قدم السؤال عنها مع شهرتها بخلاف الأنفس والأموال والأعرض، فكانا في الجاهلية يستبيحونها، فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من البلد والشهر واليوم، فلا يرد أن المشبه أخفض رتبة من المشبه به؛ لأن الخطاب إنما وقع بالنسبة لما اعتاده المخاطبون قبل تقرير الشرع.
"وستلقون ربكم" يوم القيامة "فيسألكم عن أعمالكم" فيجازيكم عليها "ألا" بالفتح والتخفيف "لا ترجعوا بعدي" بعد فراقي من موقفي هذا، أو بعد حياتي، وفيه استعمال رجع كصار معنى وعملا.
قال ابن مالك: وهو مما خفي على أكثر النحاة، أي: لا تصيروا بعدي "كفارا" أي: كالكفار، أو لا يكفر بعضكم بعضا فتستحلوا القتال، أو لا تكن أفعالكم شبيهة أفعال الكفار، وفي رواية: "ضلالا": جمع ضال، والمعنى واحد "يضرب بعضكم رقاب بعض" برفع بضرب جملة مستأنفة مبينة لقوله: "لا ترجعوا بعدي كفارا"، ويجوز الجزم.
قال أبو البقاء على تقدير شرط مضمر، أي: أن ترجعوا بعدي "ألا هل بلغت" وفي رواية:

الصفحة 451