كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)
أسباب التحلل" فلا ينفي وقوع ذلك أو شيء منه في نفس الأمر، بل قد ثبت من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه شهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم النحر، وذكر فيه السؤال عمن يقدم بعض المناسك على بعض، فكيف ساغ للطحاوي هذا النفي المطلق. انتهى.
وقد روى أبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بنمعاذ التيمي قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمنى، ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار، فوضع أصبعيه السبابتين ثم قال
__________
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم النحر، فشغل الأمراء فأخروه إلى الغد، وهذا وإن كان مرسلا لكنه يعتضد بما سبق، وبأن به أن السنة يوم النحر لا ثانيه. انتهى.
وكان المصنف تركه؛ لأنه قد لا يسلم له أن المراد بالأمراء بنو أمية كما ذكره بقوله، يعني بني أمية، إذ ليس ذلك في سياق الحديث، فكأنهم تركوه لفهمهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقصد به أنه من خطب الحج المشروعة للتعليم، وإنما هي وصايا؛ ولأنه يعكر على حكمته التي أبداها من شرع تجديد التعليم بتجدد الأسباب، إذ هو لا يقول بخطبة ثاني يوم مع أن فيه تجديدًا.
"وأما قول الطحاوي إنه لم ينقل أنه علمهم شيئا من أسباب التحلل فلا ينفي وقوع ذلك، أو شيء منه في نفس الأمر" لاحتمال أنه وقع، ولم ينقله الراوي اعتناء بما نقله من أمر الوصية، وغاية ما يفيده هذا الاحتجاج بالاحتمال والطحاوي إنما قال لم ينقل، وإنما يرد عليه بأنه قد نقل "بل" إضراب انتقالي "قد ثبت في حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه شهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم النحر، وذكر فيه السؤال عمن يقدم بعض المناسك على بعض، فكيف ساغ للطحاوي هذا النفي المطلق" مع روايته لحديث ابن عمرو. "انتهى".
والجواب أنه ساغ له ذلك؛ لأنه ليس فيه أنه علمهم ذلك ابتداء في تلك الخطبة، وإنما أجاب السائلين بقوله: "افعل ولا حرج"، وجواب السائل متعين في مثل ذلك.
"وقد روى أبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن معاذ" بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي "التيمي" نسبة إلى جده تيم المذكور، صحابي شهد فتح مكة، وهو ابن عم طلحة بن عبد الله "قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمنى ففتحت" بالتخفيف، وضبطه بعضهم بالتشديد "أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا" معجزة ظاهرة له -صلى الله عليه وسلم- "فطفق" بكسر الفاء وفتحها، أي: أخذ "يعلمهم مناسكهم" جمع منسك بفتح السين وكسرها وهو المعبد ويقع على المصدر والزمان والمكان، ثم سميت أمور الحج كلها مناسك "حتى بلغ الجمار" أي: وصل إلى ذكر حكمها، وكأنه ذكر المناسك على ترتيب وقوعها