كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

وأتى -صلى الله عليه وسلم- زمزم، وبنو عبد المطلب يسقون عليها، فقال: "انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم"، فناولوه دلوا منها فشرب منه.
وفي رواية ابن عباس: فشرب وهو قائم، وفي رواية: فحلف عكرمة: ما كان يومئذ إلا على بعير، لكن لم يعين فيها حجة الوداع ولا غيرها، إنما التعيين في
__________
قلت: فإن هنا إنسانا زعم أنه سمعه من معاذ فأنكر ذلك، وأشار الأثرم بذلك إلى إبراهيم بن محمد بن عرعرة، فإن من طريقه أخرجه الطبراني بهذا الإسناد، ولرواية أبي حسان ليس هو من شرط البخاري شاهد مرسل، أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عيينة، حدثنا ابن طاوس عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفيض كل ليلة "وأتى -صلى الله عليه وسلم" بعد فراغه من طواف الإفاضة "زمزم وبنو عبد المطلب يسقون عليها" أي: يفرقون منها بالدلاء ويصبونه في الحياض ويسقونه الناس "فقال:" لهم "انزعوا" بكسر الزاي، يقال: نزع بالفتح ينزع بالكسر، والأصل في فعل الذي عينه أو لامه حرف حلق فتح مضارعه، ولم يأت الكسر إلا في نزع ينزع والنزع الاستقاء أي: اسقوا "بني عبد المطلب، فلولا" خوفي "أن يغلبكم الناس على سقايتكم" بأن يزدحموا على النزع بحيث يغلبونكم ويدفعونكم لاعتقادهم أن النزع والاستقاء من مناسك الحج "لنزعت معكم" لكثرة فضيلة ذلك.
وقيل: قال ذلك شفقة على أمته من الحرج والمشقة، والأول أظهر وفيه بقاء هذه التكرمة لبني العباس، كبقاء الحجابة لبني شيبة، إذ لو استعمله الناس معهم لخرج عن اختصاصه بهم "فناولوه" صلى الله عليه وسلم "دلوا منها فشرب منه" يستحب الشرب منها والإكثار، وقد صح مرفوعا ماء زمزم لما شرب له وشربه جماعة من العلماء لمآب فوجدوها.
قال ابن العربي: شربناه للعلم، فليتنا شربناه للورع، وأولى ما يشرب لتحقيق التوحيد والموت عليه.
"وفي رواية ابن عباس" عند البخاري من طريق عاصم عن الشعبي أن ابن عباس حدثه، قال: سقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من زمزم "فشرب وهو قائم" ففيه جواز الشرب قائما، وقوله: "وفي رواية" حشو موهم أنها رواية أخرى مع أنه من جملة حديث البخاري، عقب قوله: وهو قائم، قال عاصم: "فحلف عكرمة" بالله "ما كان" صلى الله عليه وسلم "يومئذ" أي: يوم سقاه ابن عباس من زمزم "إلا على بعير" فكيف يكون قائما.
وعند ابن ماجه عن عاصم، فذكرت ذلك لعكرمة بالله ما فعل، أي: ما شرب قائما؛ لأنه كان حينئذ راكبا، وإنما حلف؛ لأنه خلاف ما رواه، أعني: عكرمة عن ابن عباس أنه -صلى الله عليه وسلم- أتى

الصفحة 460