كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: حق على كل مؤمن إذا أذن المؤذن أن يركع ركعتين. وعن مالك قول آخر باستحبابهما، وهو عند الشافعية وجه رجحه النووي ومن تبعه، وقال في شرح مسلم: قول من قال: إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها، خيال فاسد منابذ للسنة، ومع ذلك فزمنهما يسير، لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها. ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما.
وقال صلى الله عليه وسلم: "صلوا قبل المغرب ركعتين" لمن شاء خشية أن يتخذها الناس سنة. رواه أبو داود.
قال المحب الطبري: لم يرد نفي استحبابهما؛ لأنه لا يمكن أن يأمر بما لم
__________
لا يبصر، ومعلوم أنه متى أمكن الجمع تعين المصير إليه.
"وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول حق" أي: أمر ثابت مؤكد: "على كل مؤمن إذا أذن المؤذن" للمغرب "أن يركع ركعتين" وهذا قول مجتهد بما أداه إليه اجتهاده فليس حجة على غيره، وقول بعضهم لو ثبت ما روي عن الخلفاء وغيرهم من تركهما لم يكن دليلا على نسخ ولا كراهة، لاحتمال أنهم منعهم الشغل كما منع عقبة فيه ما فيه؛ لأن الشغل لا يقتضي المواظبة على الترك مع كثرة عبادتهم مع أشغالهم.
"وعن مالك قول آخر" ضعيف في المذهب "باستحبابهما وهو عند الشافعية وجه" أي: قول لغير الشافعي من أهل مذهبه "رجحه النووي ومن تبعه، وقال في شرح مسلم قول من قال: إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها خيال فاسد منابذ للسنة، ومع ذلك فزمنهما يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها" إلى هنا كلام النووي، وأما قوله: "ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما" كما في ركعتي الفجر، فعزاه الحافظ لنفسه عقب ذكر كلام النووي.
"وقال -صلى الله عليه وسلم: "صلوا قبل المغرب ركعتين" كما في أبي داود "لمن شاء" أي: وهذا الفعل لمن شاء، قال ذلك "خشية أن يتخذها الناس سنة، رواه أبو داود" عن عبد الله بن مغفل المزني، وقصر عزوه لأبي داود بقوله: ركعتين، وإلا فقد أخرجه البخاري في الصلاة والاعتصام عن عبد الله بن مغفل عن النبي -صلى الله عليه وسلم، قال: "صلوا قبل المغرب"، قال في الثالثة: "لمن شاء" كراهية أن يتخذها الناس سنة، ولم يخرجه مسلم.
قال الحافظ: وأعادها الإسماعيلي في روايته، أي: صلوا قبل المغرب ركعتين ثلاث مرات وهو موافق لقوله في رواية البخاري: قال في الثالثة "لمن شاء"، وفي مستخرج أبي نعيم: صلوا قبل المغرب ركعتين، قالها ثلاثا ثم قال: "لمن شاء".

الصفحة 55