كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

الخطبة، بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئا على بلال، فأمر بتقوى الله تعالى، وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: "تصدقن، فإن أكثركن حطب جهنم، فقامت امرأة من وسط النساء سفعاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير: قال:
__________
متوكئا" أي: معتمدا مع ثقل وقوة "على بلال" حال من ضمير الفاعل في قام، وثم حرف عطف ومهلة، فيحتمل أن بين الصلاة والخطبة زمنا هو مشيه من مكان الصلاة إلى مكان الخطبة، ويحتمل أن لا مهلة، كقوله:
كهز الرديني تحت العجاج ... جرى في الأنابيب ثم اضطرب
فليس المراد تأخر اضطراب الرمح عن زمن جريان الهز في أنابيبه "فأمر" صلى الله عليه وسلم الناس "بتقوى الله تعالى وحث" بمثلثة، أي: حض الناس "على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم" عطف تفسير "ثم" بعد فراغه من الخطبة "مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن" عطف تفسير.
قال الراغب: الوعظ زجر مقترن بتخويف، وقال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب.
"فقال: "تصدقن" يا معشر النساء "فإن أكثركن حطب جهنم" مبالغة في تعظيم العقاب، وهو من باب الإغلاظ في النصح لمن يعلم أنه لا يؤثر فيه دون ذلك "فقامت امرأة من وسط النساء" أي: جالسة في وسطهن، ولفظ مسلم: من سطة النساء بكسر السين وفتح الطاء خفيفة وهي صحيحة، وليس المراد بها من خيار النساء، كما فسره من زعم أنه تصحيف وأن صوابه من سفلة النساء كما في رواية النسائي، بل المراد جالسة في وسطهن.
قال الجوهري وغيره: يقال: وسطت القوم أسطهم سطة، أي: توسطتهم، وقال بعضهم: الأظهر أن المراد توسطها في القامة ليست بطويلة ولا قصيرة، فرواية مسلم ناظرة إلى قامتها، ورواية النسائي إلى منزلتها، وقوله: "سفعاء الخدين" بفتح السين المهملة وسكون الفاء وعين مهملة ممدودة، أي: في خديها سواد بيان لصورتها فلا تنافي "فقالت: لم يا رسول الله؟ " كن أكثر حطب جهنم "قال: "لأنكن تكثرن" بضم الفوقية وسكون الكاف وكسر المثلثة "الشكاة" بكسر الشين المعجمة والقصر، أي: التشكي من الأزواج، أي: تكتمن الإحسان وتظهرن الشكاية كثيرا "وتكفرن العشير" أي: الزوج، وهذا كالبيان لقوله: "تكثرن الشكاة"؛ لأن كثرة التشكي من الأزواج مع وجود الإحسان منهم كقربهم وستر لحقهم، ففيه ذم من يجحد إحسان ذي الإحسان، وهذه المرأة هي أسماء بنت يزيد بن السكن التي تعرف بخطيبة النساء.

الصفحة 68