كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

أمير المدينة في فطر أو أضحى فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه، فقلت له: غيرتم والله. الحديث.
__________
بالصلاة والخطبة بعده -صلى الله عليه وسلم- "حتى خرجت مع مروان" بن الحكم "وهو أمير المدينة" من جهة معاوية "في فطر أو أضحى" شك الراوي: "فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير" بكاف مفتوحة فمثلثة مكسورة "ابن الصلت" بفتح المهملة وسكون اللام وفوقية، ابن معاوية الكندي تابعي كبير، ولد في العهد النبوي وقدم المدينة هو وأخوته بعده، فسكنها وحالف بني جمح بن سعد، وروى بإسناد صحيح إلى نافع، قال: كان اسم كثير بن الصلت قليلا فسماه عمر كثيرا ورواه أبو عوانة فوصله بذكر ابن عمر ورفعه بذكر النبي -صلى الله عليه وسلم، والأول أصح، وقد صح سماع كثير من عمر فمن بعده وكان له شرف، وذكر وهو ابن أخي جمد، بفتح الجيم وسكون الميم أو فتحها، أحد ملوك كندة الذين قتلوا في الردة، وقد ذكر ابن منده أباه في الصحابة وفي صحة ذلك نظر، وإنما اختض كثير ببناء المنبر بالمصلى؛ لأن داره كانت مجاورة للمصلى كما في حديث ابن عباس عند البخاري أنه صلى الله عليه وسلم أتى في يوم العيد إلى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت.
قال ابن سعد: كانت داره قبلة المصلى في العيدين وهي تطل على بطحان الوادي الذي في وسط المدينة. انتهى.
وإنما بنى كثير داره بعده -صلى الله عليه وسلم- بمدة، لكنها لما اشتهرت في تلك البقعة وصفت المصلى بمجاورتها، اله في فتح الباري "فإذا مروان يريد أن يرتقيه، فقلت له: غيرتم والله ... الحديث" لفظ البخاري: فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجذبت بثوبه فجذبني، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله، فقال أبا سعيد: قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة.
وفي مسلم قلت: كلا والذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم، ثلاث مرات، أي: لأن ما يعلمه سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يأتي مروان بل ولا أحد من العالمين بشيء يكون خيرا من سنته -صلى الله عليه وسلم، فزجره أولا بقوله: كلا، ثم بين له خطأ كلامه مؤكدا ذلك بالقسم، وفي هذا إشعار بأن مروان فعل ذلك باجتهاد منه.
وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن الحسن البصري، قال: أول من خطب قبل الصلاة عثمان صلى بالناس، ثم خطبهم، يعني على العادة، فرأى ناسا لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك، أي: صار يخطب قبل الصلاة، وهذه العلة غير التي اعتل بها مروان؛ لأن عثمان راعى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة، وأما مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة، لكن قيل: إنهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سب من لا يستحق السب والإفراط في

الصفحة 70