كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

عن قبيصة بن المخارق قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرج فزعا يجر ثوبه وأنا معه يومئذ بالمدينة، فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام، ثم انصرف وانجلت، ثم قال: "إنما هذه الآيات يخوف الله تعالى بها عباده، فإذا رأيتموها فصلوا". رواه أبو داود والنسائي.
وفي قوله عليه الصلاة والسلام: "يخوف الله تعالى بها عباده" رد على من يزعم من أهل الهيئة أن الكسوف أمر عادي لا يتأخر ولا يتقدم، إذ لو كان كما يقولون لم يكن في ذلك تخويف.
__________
كل اللون وبالكاف لتغيره "عن قبيصة" بفتح القاف وكسر الموحدة "ابن المخارق" بضم الميم وتخفيف المعجمة ابن عبد الله الهلالي، صحابي سكن البصرة "قال: كسفت الشمس على عهد" أي: زمن "رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فخرج فزعا يجر ثوبه" زاد في رواية للبخاري: مستعجلا، وللنسائي: من العجلة، ولمسلم عن أسماء: ففزع فأخطأ يدرع حتى أدرك بردائه، يعني أنه أراد لبس ردائه فلبس الدرع من شغل خاطره بذلك، وفيه أن جر الثوب إنما يذم ممن قصد به الخيلاء "وأنا معه يومئذ بالمدينة، فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام ثم انصرف وانجلت" بنون وجيم، أي: صفت، وهذا محتمل أنها انجلت قبل السلام وأنها انجلت بعده، لكن في حديث عائشة في الصحيحين: وانجلت الشمس قبل أن ينصرف وهذه صريحة لا تقبل التأويل، وفي حديث أبي بكرة عند البخاري: فصلى بنا ركعتين حتى انجلت الشمس.
قال الحافظ: استدل به على إطالة الصلاة حتى تنجلي، وأجاب الطحاوي بأنه قال فيه: وصلوا ودعوا، فدل على أنه سلم من الصلاة قبل الانجلاء ليتشاغل بالدعاء حتى تنجلي، وقرره ابن دقيق العيد بأنه جعل الغاية لمجموع الأمرين، ولا يلزم منه أه غاية لكل منهما على انفراده، فجاز أن يمتد الدعاء إلى غاية الانجلاء بعد الصلاة فيصير غاية للمجموع، ولا يلزم منه تطويل الصلاة، أي: عن سنتها ولا تكريرها.
"ثم قال: إنما هذه الآيات" أي: الكسوف والخسوف والزلازل "يخوف الله تعالى بها عباده، فإذا رأيتموها فصلوا، رواه أبو داود والنسائي" وهو بنحوه.
وأبسط منه في الصحيحين من حديث عائشة وابن عباس والبخاري من حديث أبي بكرة.
"وفي قوله عليه الصلاة والسلام: "يخوف الله تعالى بها عباده" رد على من يزعم من أهل الهيئة أن الكسوف أمر عادي" جرت به العادة "لا يتأخر ولا يتقدم، إذ لو كان" ذلك "كما يقولون لم يكن في ذلك تخويف" لزعمهم أنه إذا حصل للشمس أو القمر شيء من الأسباب والعلامات التي زعموها وقع الكسوف للشمس أو القمر، فإذا شاهدوه لم يخافوا؛ لأن نفوسهم

الصفحة 87