كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)
وقد رد عليهم ابن العربي وغيره، بما في حديث أبي موسى عند البخاري، حيث قال فيه: فقام فزعا يخشى أن تكون الساعة، قالوا: فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع، ولو كان بالحساب لم تكن للأمر بالعتق والصدقة
__________
مطمئنة بوقوعه جازمون بذلك.
"وقد رد عليهم ابن العربي وغيره" لفظ الفتح وغير واحد من أهل العلم "بما في حديث أبي موسى عند البخاري" ومسلم "حيث قال فيه:" أوله كسف الشمس "فقام" النبي -صلى الله عليه وسلم- "فزعا" بكسر الزاي صفة مشبهة، ويجوز الفتح على أنه مصدر بمعنى الصفة "يخشى أن تكون الساعة" بالضم على أن كان تامة، أي: يخشى أن تحضر الساعة أو ناقصة، والساعة اسمها والخبر محذوف أو العكس، قيل: فيه جواز الإخبار بما يوجبه الظن من شاهد الحال؛ لأن سبب الفزع يخفى عن المشاهد لصورة الفزع، يحتمل أن الفزع لغير ما ذكر؛ فعلى هذا يشكل هذا الحديث من حيث إن للساعة مقدمات كثيرة لم تكن وقعت، كفتح البلاد واستخلاف الخلفاء وخروج الخوارج، ثم الأشراط كطلوع الشمس من مغربها والدابة والدجال والدخان وغير ذلك، ويجاب عن هذا باحتمال أن قصة الكسوف وقعت قبل إعلام النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه العلامات، أو لعله خشي أن يكون ذلك بعض المقدمات، أو أن الراي ظن أن الخشية لذلك، وكانت لغيره كعقوبة تحدث كما كان يخشى عند هبوب الريح، هذا حاصل ما ذكره النووي تبعا لغيره.
وزاد بعضهم: أن المراد بالساعة غير يوم القيامة، أي: الساعة التي جعلت علامة على أمر من الأمور، كموته -صلى الله عليه وسلم- أو غير ذلك، وفي الأول نظر؛ لأن قصة الكسوف متأخرة جدا؛ لأن موت إبراهيم كان في العاشرة باتفاق وقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- بكثير من الأشراط والحوادث قبل ذلك، وأما الثالث فتحسين الظن بالصحابي يقتضي أنه لا يجزم بذلك إلا بتوقيف، وأما الرابع فلا يخفى بعده وأقر بها الثاني، فلعله خشي أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط كطلوع الشمس من مغربها، ولا يستحيل أن يتخلل بين الكسوف مقدمة لبعض الأشراط كطلوع الشمس من مغربها، ولا يستحيل أن يتخلل بين الكسوف والطلوع أشياء مما ذكر، وتقع متوالية بعضها إثر بعض مع استحضار قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ} [النحل: 16] ، أو هو أقرب، ثم ظهر لي أنه يحتمل أن يخرج على مسألة دخول النسخ في الأخبار، فإن قيل به جاز ذلك وزال الإشكال، وقيل: لعله قدر وقوع الممكن لولا ما أعلمه الله تعالى بأنه لا يقع قبل الأشراط تعظيما منه لأمر الكسوف ليبين لمن يقع له من أمته ذلك كيف يخشى ويفزع، لا سيما إذا وقع لهم ذلك بعد حصول الأشراط أو أكثرها، وقيل: لعل حالة استحضار إمكان القدرة غلبت على استحضار ما تقدم من الشروط، لاحتمال أن تلك الأشراط مشروطة بشرط لم يتقدم ذكره، فيقع المخوف بلا شرط لفقد الشرط، قاله الحافظ.
"قالوا: فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع" لعل وجه التبري أنه يجوز أن يكون