كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

والصلاة معنى، يعني حديث أسماء عند البخاري "لقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعتاقة في كسوف الشمس" وكما عنده أيضا من حديث عائشة مرفوعا: "فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا" فإن ظاهر الأحاديث أن ذلك يفيد التخويف، وأن كل ما ذكر من أنواع الطاعات يرجى أن يدفع به ما يخشى من أثر يدفع الكسوف.
ومما نقض به ابن العربي وغيره أيضا أنهم يزعمون: أن الشمس لا تنكسف على الحقيقة وإنما يحول القمر بينها، وبين أهل الأرض عند اجتماعهما في العقدتين. فقال: "هم يزعمون أن الشمس أضعاف القمر في الجرم، فكيف يحجب الكبير الصغير إذا قابله؟ أم كيف يظلم الكثير بالقليل لا سيما وهو من جنسه؟
__________
علامة عادية على أمر مفزع يحدث في العالم عند حدوثه "ولو كان بالحساب لم تكن للأمر بالعتق والصدقة والصلاة معنى، يعني" الحافظ بهذا "حديث أسماء" بنت أبي بكر "عند البخاري" من أفراده: "لقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعتاقة" بفتح العين المهملة أمر ندب "في كسوف" بالكاف "الشمس" ليرفع الله به البلاء عن عباده، وهل يقتصر على العتاقة، أو هي من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى، الظاهر الثاني لقوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] الآية، فإذا كان من التخويف فهي داعية إلى التوبة والمسارعة إلى جميع أفعال التوكل على قدر الطاقة، لما كان أشد ما يخوف به النار جاء الندب بأعلى شيء يتقى به النار، لحديث: "من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار"، فمن لم يقدر على ذلك فليعمل على الحديث العام وهو: "اتقوا النار ولو بشق تمرة" ويأخذ من وجوه البر ما أمكنه، قاله ابن أبي جمرة.
"وكما عنده" أي: البخاري "أيضا" وكذا مسلم "من حديث عائشة مرفوعًا: "فإذا رأيتم ذلك" أي: الكسوف "فادعوا الله" ولبعض رواة البخاري: فاذكروا الله " وكبروا وصلوا" صلاة الكسوف "وتصدقوا" بالعتق وغيره "فإن ظاهر الأحاديث أن ذلك يفيد التخويف؛" لأن الصدقة تدفع العذاب أو تخففه، والدفع والتخفيف فرع عن وجود، فكأنه بين أن الكسوف يخشى منه عذاب، فأمر بالصدقة ونحوها لدفعه "وأن كل ما ذكر من أنواع الطاعات يرجى أن يدفع به ما يخشى من أثر الكسوف" فكيف زعموا أنه سبب عادي "ومما نقض به ابن العربي وغيره أيضا" دعواهم ذلك "أنهم يزعمون أن الشمس لا تنكسف على الحقيقة وإنما يحول القمر بينها، وبين أهل الأرض عند اجتماعهما" الشمس والقمر "في العقدتين فقال: هم يزعمون أن الشمس أضعاف القمر في الجرم، فكيف يحجب الكبير الصغير" بالرفع فاعل "إذا قابله؟ أم

الصفحة 89