كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)
خلاف ذلك والثابت من قواعد الشرع أن الكسوف أثر الإرادة القديمة وفعل الفاعل المختار، فيخلق في هذين الجرمين النور متى شاء، والظلمة متى شاء من غير توقف على سبب أو ربط باقتران، والحديث الذي رده الغزالي قد أثبته غير واحد من أهل العلم، وهو ثابت من حيث المعنى أيضا؛ لأن النورية والإضاءة من عالم الجمال الحسي، فإذا تجلت صفة الجلال انطمست الأنوار لهيبته، ويؤيده قوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143] . انتهى.
ويؤيد هذا الحديث ما رويناه عن طاوس أنه نظر إلى الشمس وقد انكسفت فبكى حتى كاد أن يموت، وقال: هي أخوف لله منا.
وقال ابن دقيق العيد: ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله: "يخوف الله تعالى بهما عباده"، وليس بشيء؛ لأن لله تعالى أفعالا على حسب العادة، وأفعالا خارجة عن ذلك، وقدرته تعالى حاكمة على كل سبب، يقتطع ما شاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض، وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله
__________
الشريعة، مع أنها مبنية على أن العالم كروي الشكل، وظاهر يعطي خلاف ذلك، والثابت من قواعد الشرع أن الكسوف أثر الإرادة القديمة وفعل الفاعل المختار، فيخلق في هذين الجرمين النور متى شاء والظلمة متى شاء من غير توقف على سبب أو ربط باقتران" كما زعموا، "والحديث الذي رده الغزالي قد أثبته غير واحد من أهل العلم" بالحديث وصححوه من حيث السند "وهو ثابت من حيث المعنى أيضا؛ لأن النورية" أي كون الشيء منيرا "والإضاءة" كونه مضيا "من عالم الجمال الحسي" المشاهد بحاة البصر "فإذا تجلت صفة الجلال انطمست الأنوار لهيبته، ويؤيده قوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ} أي: ظهر من نوره قدر نصف أنملة الخنصر كما في حديث صححه الحاكم {لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143] ، أي: مدكوكا مستويا بالأرض. "انتهى" كلام ابن بزيزة.
"ويؤيد هذا الحدث" أي: قوله: وإن الله إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له "ما رويناه عن طاوس أنه نظر إلى الشمس وقد انكسفت، فبكى حتى كاد أن يموت وقال: هي أخوف لله منا" وخوفها وهي جماد يخلق الإدراك فيها، بل قد يخلق فيها حياة تدرك بها.
"وقال ابن دقيق العيد: ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله يخوف الله تعالى بهما عباده وليس بشيء؛ لأن لله تعالى أفعالا على حسب العادة" كالشبع والري بالأكل والشرب "وأفعالا خارجة عن ذلك، وقدرته تعالى حاكمة على كل سبب يقتطع ما شاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض، وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله تعالى لقوة