كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط". رواه البخاري ومسلم.
وقوله: "ورأيت الجنة والنار" قال القاضي عياض: يحتمل أنه رآهما رؤية عين، بأن كشف الله له عنهما، وأزال الحجب بينه وبينهما، كما فرج له عن المسجد الأقصى حين وصفه، ويكون قوله عليه الصلاة والسلام: "في عرض هذا الحائط" -كما في رواية: في جهته وناحيته، ويحتمل أن تكون رؤية علم وعرض وحي
__________
لأن الجواب طابق السؤال، وزاد: وذلك أنه أطلق لفظ النساء، فعم المؤمنة والكافرة، فلما قيل: يكفرن بالله؟ أجاب بقوله: "ويكفرن العشير" إلخ، كأنه قال: نعم يقع منهن الكفر بالله وغيره؛ لأن منهن من يكفرن بالله ومنهن من يكفرن الإحسان.
قال: وقال ابن عبد البر: وجه رواية يحيى أن يكون الجواب لم يقع على وفق سؤال السائل لإحاطة العلم بأن من النساء من يكفرن بالله، لم يحتج إلى جوابه؛ لأن المقصود في الحديث خلافه.
قال الكرماني: لم يعد كفر العشير -بالياء- كما عدى الكفر بالله؛ لأن كفر العشير لا يتضمن معنى الاعتراف.
"ويكفرن الإحسان" كأنه بيان لقوله: "يكفرن العشير"؛ لأن المراد كفر إحسانه لا كفر ذاته، فالجملة مع الواو مبنية للأولى، نحو: أعجبني زيد وكرمه، والمراد بكفر الإحسان تغطيته أو جحده، ويدل عليه قوله: "لو أحسنت إلى إحداهن الدهر" نصب على الظرفية "كله" أي: مدة عمرالرجل أو الزمان مبالغة "ثم رأت منك شيئا" قليلا لا يوافق غرضها من أي نوع كان، فلتنوين للتقليل "قالت: ما رأيت منك خيرا قط" بيان للتغطية المذكورة ولو شرطية لا امتناعه.
قال الكرماني: ويحتمل أنها المتناهية بأن يكون الحكم ثابتا على التعيين والمظروف المسكوت عنه أولى من المذكور، وليس المراد خطاب رجل بعينه، بل كل من يتأتي أن يخاطب فهو خاص لفظا عام معنى "رواه البخاري" عن القعنبي "ومسلم" عن إسحاق بن عيسى، كلاهما عن مالك، ومسلم أيضا من طريق حفص بن ميسرة، كلاهما عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس "وقوله: "ورأيت الجنة والنار".
"قال القاضي عياض: يحتمل أنه رآهما رؤية عين" بصرية حقيقية "بأن كشف الله له عنهما وأزال الحجب بينه وبينهما" فرآهما على حقيقتهما، وطويت المسافة بينهما "كما فرج له عن المسجد الأقصى حين وصفه" لقريش "ويكون قوله عليه السلام "في عرض" بضم العين "هذا الحائط كما في رواية في جهته وناحيته" أي أنه انكشف له عنهما من هذه الجهة "ويحتمل أن تكون رؤية علم وعرض وحي باطلاعه وتعريفه من أمورهما" أمرا "مفصلا ما لم

الصفحة 95