كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 11)

فيه أربه مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ) 60 الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ التَّارِيخِ أَنَّهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ لَيْسَ فِيهِ مُوسَى غَيْرُهُ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ مِنْهَا نَوْفٌ الْبِكَالِيُّ: إِنَّهُ لَيْسَ ابْنَ عِمْرَانَ وَإِنَّمَا هُوَ مُوسَى بْنُ مَنْشَا بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ وَكَانَ نبيا قبل موسى ابن عِمْرَانَ. وَقَدْ رَدَّ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ. وَفَتَاهُ: هُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ. وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ فِي" الْمَائِدَةِ" «1» وَآخِرِ" يُوسُفَ" «2». وَمَنْ قَالَ هُوَ ابْنُ مَنْشَا فَلَيْسَ الْفَتَى يُوشَعُ بْنُ نُونٍ. (لَا أَبْرَحُ) 60 أَيْ لَا أَزَالُ أَسِيرُ، قَالَ الشَّاعِرَ: «3»
وَأَبْرَحُ مَا أَدَامَ اللَّهُ قَوْمِي ... بِحَمْدِ اللَّهِ مُنْتَطِقًا مُجِيدَا
وَقِيلَ:" لَا أَبْرَحُ 60" لَا أُفَارِقُكَ. (حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) 60 أَيْ مُلْتَقَاهُمَا. قَالَ قَتَادَةُ: وَهُوَ بَحْرُ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ ذِرَاعٌ يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ مِنْ شِمَالٍ إِلَى جَنُوبٍ فِي أَرْضِ فَارِسَ مِنْ وَرَاءِ أَذْرَبِيجَانَ، فَالرُّكْنُ الَّذِي لِاجْتِمَاعِ الْبَحْرَيْنِ مِمَّا يَلِي بَرَّ الشَّامِ هُوَ مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَقِيلَ: هُمَا بَحْرُ الْأُرْدُنِّ وَبَحْرُ الْقُلْزُمِ. وَقِيلَ: مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ عِنْدَ طنجة، قاله مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ. وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّهُ بِأَفْرِيقِيَّةَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْكُرُّ وَالرَّسُّ «4» بِأَرْمِينِيَّةَ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: هُوَ بَحْرُ الْأَنْدَلُسِ مِنَ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ، حَكَاهُ النَّقَّاشُ، وَهَذَا مِمَّا يُذْكَرُ كَثِيرًا. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: إِنَّمَا هُمَا مُوسَى وَالْخَضِرُ، وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يَصِحُّ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بَيِّنٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ إِنَّمَا وُسِمَ «5» لَهُ بَحْرُ مَاءٍ. وَسَبَبُ هَذِهِ الْقِصَّةِ مَا خَرَّجَهُ الصَّحِيحَانُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ موسى عليه السلام قام خطيبا
__________
(1). راجع ج 6 ص 130 فما بعد.
(2). راجع ج 9 ص 270 فما بعد.
(3). هو خداش بن زهير يقول: لا أزال أجنب فرسي جوادا ويقال: إنه أراد قولا يستجاد في الثناء على قومي وفي (اللسان): (على الاعداء) يدل (بحمد الله).
(4). الكر والرس: نهران.
(5). في ج وك: إنما رسم له بحرتا.

الصفحة 9