كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 11)

كأنهم قصدّوا التنبيه بهذا التَّخفيفِ على أنَّ الاسمين جُعِلا اسماً واحداً.
قوله {والشمس والقمر} يجوز فيه وجهان:
أحدهما: أن تكون الواو عاطفة، وحينئذ: يحتمل أن يكُون من باب ذكر الخاصِّ بعد ذكر العام تفصيلاً له؛ لأن الشَّمس والقمر دخلا في قوله: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} فهذا كقوله: {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] بعد قوله:» ومَلائِكتهِ «ويحتمل أن لا تكون كذلك، وتكون الواوُ لعطف المغايرة؛ فيكون قد رأى الشمس والقمر زيادة على ال» أحَدَ عَشَرَ «ومن جملتها الشمس والقمر، وهذان الاحتمالان نقلهما الزمخشريُّ.
والوجه الثاني: أن تكون الواو بمعنى:» مَعَ «إلا أنَّه مرجوحٌ؛ لأنَّه متى أمكن العطف من غير ضعفٍ، ولا أخلال بمعنى، رُجِّح على المعيَّة؛ وعلى هذا فيكون كالوجه الذي قبله، بمعنى: أنه رأى الشمس، والقمر زيادةً على الأحد عشر كوكباً.
قوله: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنَّها جملة كُرِّرت للتوكيد؛ لما طال الفصل بالمفاعيل، كما كُرِّرت «أنكُم» في قوله تعالى: {أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ} [المؤمنون: 35] . كذا قالهُ أبو حيَّان، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
والثاني: أنه ليس [بتأكيد] ، وإليه نحا الزمخشريُّ؛ فإنه قال: «فإن قلت: ما معنى تكرار» رَأيْتُمْ «؟ قلتُ: ليس بتكرار؛ إنَّما هو كلام مُستأنَف على تقدير سؤال وقع جواباً له؛ كأنَّ يعقُوب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ قال لهُ عند قوله: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشمس والقمر} كيف رأيتها؟ سائلاً عن حال رؤيتها، فقال: (رأيتهم لي ساجدين) وهذا أظهر؛ لأنَّه متى دار الكلام بين الحمل على التأكيد والتأسيس، فحمله على التَّأسيس أولى» .
و «سَاجِدينَ» : صفة جُمِعَ جَمْ العقلاء، فقيل: لأنَّه لما عاملهُم معاملة العقلاء في إسناد فعلهم إليهم، جمعهم جمع العقلاء، فقيل: لأنَّ الشيء قد يعامل مُعالمة شيء آخر، إذا شاركه في صفةٍ ما؛ كما قال في صفة الأصنام: {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} [الأعراف: 198] ، وكقوله عَزَّ وَجَلَّ: {يا أيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ} [النمل: 18] .
والرُّؤية هنا: مناميَّة، وقد تقدم أنَّها تنصب مفعولين؛ كالعلميَّة؛ وعلى هذا قد حذف المعفول الثاني من قوله: {رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} ، ولكن حذفه اقتصاراً ممتنع، فلم يبق إلا اختصاراً، وهو قليلٌ، أو ممتنع عند بعضهم.
وقال بعضهم: إن إحداهما من الرُّؤية، والأخرى من الرُّؤيا.

الصفحة 12