كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 11)

ذلك المكان أجزاء، وسمَّى لك جزءٍ غيابة؛ لأن للجُبِّ أقطاراً ونواحِي، فيكون فيها غيابات، والباقون: بالإفراد؛ لأن المقصُود: موضع واحد من الجُبِّ يغيب فيه يوسف، وابن هُرْمز كنافع، إلا أنَّه شدَّد الياء، والأظهر في ههذه القراءة: أن يكُون سُمِّي باسم الفاعل الذي للمبالغة، فهو وصف في الأصل، وألحقه الفارسي بالاسم الجائي على فعَّال، نحو ما ذكره سيبويه من الفيَّاد قال ابن جني: «ووجدت من ذلك الفخَّار: للخَزَف» .
وقال صاحب اللَّوامح: «يجوز أن يكو على» فعَّالات «كحمَّامات، ويجوز أن يكون على» فيْعَالات «، كشَيْطَانَات، جمع شَيْطَانَه، وكلٌّ للمبالغة» .
وقرأ الحسن: «في غَيَبةِ» بفتح الياء، وفيه احتمالان:
أحدهما: أن يكون في الأصل مصدراً؛ كالغلبة.
والثاني: أن يكون جمع غائب، نحو: صَانِع وصنَعَة.
قال أبو حيَّانك «وفي حرف أبيَّ:» في غيْبَةِ «بسكون الياء، وهي ظلمة الرَّكيَّة» .
قال شهاب الدين: «والضبط أمر حادثٌ، فكيف يعرفُ ذلك من المصحف، وتقدَّم نحو ذلك، والغيابة، قال الهروي: شبه لجف أو طاقٍ في البئر فُويْق الماء يغيب ما فيه عن العُيُون» .
وقال الكلبيُّ: «الغيابة تكون في قَعْر الجُبِّ؛ لأَنَّ اسفله واسعٌ، ورأسه ضيِّق، فلا يكاد النَّاظر يرى ما في جوانبه» .
وقال الزمخشري: «هي غورة، وما غب منه عن عين النَّاظر، وأظلم من أسفله» .
قال المنخل: [الطويل]
3054 - فإنْ أنَا يَوْماً غَيَّبَتْنِي غَيَابَتِي ... فَسِيرُوا بسَيرِي في العَشِيرةِ والأهْلِ
أراد: غيابة حُفرته التي يدفن فيها، والجبُّ: البشر الذي لم تُطْوَ، وسمِّي بذلك: إما لكونه مَحْفُوراً في جبُوب الأرض، أي: ما غلظ منها؛ وإما لأنه قطعَ في الأرضِ والجبُّ: القطعُ، ومنه: الجبُّ في الذَّكر؛ قال الأعشى: [الطويل]

الصفحة 27