كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 11)

الثالث: أن الجواب هو قوله: «وأوْحَيْنَا» والواو فيه زائدة، أي: فلما ذهبوا به أوحينا، وهو رأي الكوفيين، وجعلُوا من ذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103] أي: تله، «ونَاديْنَاهُ» ، وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {حتى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 73] وقول امرىء القيس: [الطويل]
3064 - فَلَمَّا أحَزْنَا سَاحةَ الحَيِّ وانْتحَى ... بِنَا بَطْنُ حِقْفٍ [ذِي رُكامٍ عَقَنْقَلِ]
تقدم أي فلما أجزنا انتحى وهو كثيرٌ عندهم بعد «لمَّا» .
قوله: «أن يَجعلُوهُ» «مَفْعُول» «أجْمعَوا» أي: عزمُو على أن يجعلوه؛ لأنه يتعدَّى بنفسه، وب «عَلَى» فإنه يحتمل أن يكون على حذف الحرف، وألاّ يكون، فعلى الأول: يحتمل موضعه النصب والجرَّ، وعلى الثاني: يتعين النَّصب، والجمعل يجوز أن يكون بمعنى: الإلقاء، وأن يكون بمعنى: التَّصيير فعلى الأول: يتعلَّق في «غَيَابةِ» بنفس الفعل قبله، وعلى الثاني: بمحذُوف، والفعل من قوله: «وأجْمَعُوا» يجوز أن يكُون معطوفاً على ما قبله، وأن يكُون حالاً، و «قَدْ» معه مضمرة عند بعضهم، والضمير في «إليْهِ» الظاهر عوده على يوسف، وقيل: يعود على يعقُوب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ.
وقرأ العامَّة: «لتُنَبئَنَّهُمْ» بتاء الخطاب، وقرأ ابن عمر: بياء الغيبة، أي: الله سبحانه وتعالى.
قال أبو حيَّان: «وكذا في بعض مصاحف البصرة» وقد تقدَّم أن النقط حادث فإن قال: مصحف حادث غير مصحف عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فليس الكلام في ذلك.
وقرأ سلاَّم: «لنُنَبئَنَّهُمْ» بالنون، وهذا صفة لقولهم. وقيل: بدل. وقيل: بيان.
قوله: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} جملة حالية، يجوز أن يكون العامل فيها «أوحينا» أي: أوحينا غليه من غير شعور إخوته بالوحي، وأن العامل فيها «لتُنَبئَنَّهُمْ» أي تخبرهم وهم لا يعرفونكم لبعد المدة وتغير الأحوال.
فصل
في المراد بقوله: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ} قولان:
الأول: المراد منه الوحي والنبوة والرسالة، وهو قول أكثر المحققين، ثم اختلف هؤلاء في أنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ هل كان في ذلك الوقت بالغاً أو كان صابياً؟ .
قال بعضهم: كان بالغاً وكان ابن سبع عشرة سنة. وقال آخرون: كان صغيراً إلا أن

الصفحة 36