كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 11)

تشريفاً له، أنَّ قومه من قريش في سكرتهم يعمهون وفي حريتهم يترددون، وقال القاضي عياضٌ: اتفق أهل التفسير في هذا: أنَّه قسم من الله تعالى بمدة حياة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأصله ضمُّ العين من العمر، ولكنها فتحت بكثرة.
قال ابن العربي: ما الذي يمنعُ أن يقسم الله تعالى بحياة لوطٍ، ويبلغ به من التشريف ما شاء، وكلُّ ما يعيطه الله للوطٍ من فضل، يعطي ضعفه لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؛ لأنَّه أكرم على الله منه؛ أو لات تراه سبحانه أعطى إبراهيم الخلَّة، وموسى التكليم، وأعطلى ذلك لمحمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فإذا أقسم بحياة لوطٍ، فحياة محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أرفعُ، ولا يخرج من كلام إلى كلام لم يجر له ذكرٌ لغير ضرورةٍ.
قال القرطبيُّ: ما قاله حسنٌ، فإنَّه كان يكون قسمة سبحانه بحياة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، كلاماً معترضاً في قصَّة لوط.
قال القشيريُّ: يحتمل أن يرجع ذلك إلى قوم لوطٍ؛ أي كانوا في سكرتهم يعمهون، أي لمَّا وعظ لوطٌ قومه وقال: هؤلاء بناتي، قالت الملائكة: يا لوط لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون، ولا يدرون ما يحلُّ بهم صباحاً.
فإن قيل: فقد أقسم الله تعالى بالتِّين، والزَّيتونِ، وطور سنين، وما في هذا من الفضل؟ قيل له: ما من شيء أقسم الله به، إلاّ وفي ذلك دلالة على فضل على ما يدخل في عداده، فكذلك محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
ثم قال: {فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} ، ولم يذكر في الآية صيحة من هي فإن ثبت بدليل قوي أن تلك صيحة جبريل قيل به وإلا فليس في الآية دليلٌ على أنه جاءتهم صيحة مهلكة.
قوله «مُشْرقينَ» «حال من مفعول» أخَذتْهُمْ «، أي داخلين في الشروق، أي: بزوغِ الشَّمسِ.
يقال: شَرَق الشارق يَشْرُق شُرُوقاً لكل ما طلع من جانب الشرع، ومنه قوله: ما ذرَّ شَارِقٌ، أي طلع طَالعٌ فكان ابتداء العذاب حين أصبحوا وتمامه حين أشرقوا.
والضمير في:» عَاليهَا وسَافِلهَا «للمدينة. وقال الزمخشريُّ:» لقرى لقوم لوط «.
ورجح الأول بأنه تقدَّم ذكر المدينة في قوله {وَجَآءَ أَهْلُ المدينة} فعاد الضمير إليها بخلاف الثاني، فإنه لم يتقدَّم لفظ القرى.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً} تقدم الكلام على ذلك كله في هود: [82] .
قوله {لِلْمُتَوَسِّمِينَ} متعلق بمحذوف على أنه صفة ل» آيَاتٌ «وأجود أن يتعلق بنفس» آيَاتٌ «؛ لأنَّها بمعنى العلامات.

الصفحة 480