كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 11)

قال ابن الخطيب: «ولعلَّ القوم كانوا براهمة منكرين لكل الرسل» .
{وَآتَيْنَاهُمْ} يعني النَّاقة، وولدها، والبئر، والآيات في النَّاقة: خروجها من الصَّخرة، وعظم خلقها، وظهور نتاجها عند خروجها، وقُرب ولادتها، وغزارة لبنها، وأضاف الإيتاء إليهم، وإن كانت النَّاقة آية صالحٍ؛ لأنَّها آيات رسولهم، فكانوا عنها معضرين؛ فذلك يدلُّ على أنَّ النَّظر، والاستدلال واجب، وأنَّ التقليد مذموم.
{وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً} تقدَّم كيفيَّة النَّحت في الأعراف: [74] ، وقرأ الحسن، وأبو حيوة: بفتح الحاءِ.
«ءَامِنينَ» من عذاب الله.
وقيل: آمنين من الخرابِ، ووقوع السَّقف عليهم.
{فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} ، أي: صيحة العذاب «مُصْبِحينَ» ، أي وقت الصُّبح.
قوله: «فَمَا أغْنَى» يجوز أني تكون نافية، أو استفهامية فيها [معنى] التعجب، وقوله: «مَا كَانُوا» يجوز أن تكون «مَا» مصدرية، أي: كسبهم، أو موصوفة، أو بمعنى «الَّذي» ، وةالعائد محذوف، أي: شيء يكسبونه، أو الذي يكسبونه.
فصل
وروى البخاري عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لمَّا نزل الحجر في غزوة تبوك، أمرهم ألاَّ يشربوا من بئرها، ولا يستقوا منها، فقال واحدٌ: عَجَنَّا، وأسْتقَيْنَا، فأمرهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يهريقوا ذلك الماء، وا، يطرحوا ذلك العجين» ، وفي رواية: «وأ، ْ يَعْلِفُوا الإبل العجِين» .
وفي هذا دليل على كراهة دخول تلك المواضع، وعلى كراهةِ دخول مقابر الكفار، وعلى تحريم الانتفاع بالماء المسخوط عليه؛ لأنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أمرهم بإهراقه وطرح العجين، وهكذا حكم الماء النَّجسِ، ويدلُّ على أنَّ ما لا يجوز استعماله من الطعام، والشراب، يجز أن يعلفه البهائم.
قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بالحق} الآية. لما ذكر أهلاك الكفَّار، فكأنه قيل: كيف يليق الإهلاك بالرحيم؟ .
فأجاب: بأني ما خلقت الخلق إلا ليشتغلوا بعبادي، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] فإذا تركوها، وأعرضوا عنها؛ وجب في الحكمة إهلاكهم، وتظهير وجه الأرض منهم.

الصفحة 484