كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 11)

وهذا النَّظم حسنٌ، إلا أنَّه إنما يستقيمُ على قوله المعتزلة، وفي النظم وجه آخر: وهو أنه تعالى إنَّما هذه القصَّة تسلية لنبيِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأن يصبره على سفاهة قومه، فإنه إذا سمع [أنَّ] الأمم السَّالفة كانوا يعاملون بمثل هذه المعاملات؛ سهُل تحمُّل تلك السَّفاهات على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثم: إنَّه تعالى لما بيَّن أنه أنزل العذاب على الأمم السَّالفة، قال لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إنَّ السَّاعةَ لآتيِةٌ» ، وإنَّ الله لينتقم لك من أعدائك، ويجازيهم، وإيَّاك، فإنه ما خلق السماوات، والأرض، وما بينهما إلا بالحق، والعدل والإنصاف، فكيف يليق بحكمته إهمال أمرك؟ .
ثم إنَّه تعالى لما صبَّره على أذى قومه، رغَّبة بعد ذلك في الصَّفح عنهم، فقال: {فاصفح الصفح الجميل} .
قوله:: إلاَّ بالحقِّ «نعت لمصدر محذوف، أي: ملتسبة بالحقِّ.
قال المفسِّرون: هذه الآية منسوخة بآية القتال، وهو بعيد؛ لأنَّ المقصود من ذلك أن يظهر الخلق الحسن، والعفوا، والصفح، فكيف يصير منسوخاً؟ .
ثم قال: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخلاق العليم} ، أي خلق الخلق مع اختلاف طبائعهم، وتفاوت أحوالهم، مع علمه بكونهم كذلك وإذا كان كذلك، فإنَّما خلقهم مع هذا التَّفاوت، ومع العلم بذلك التَّفاوت، أمَّا على قول أهل السنة فلمخض مشيئته، وإرادته، وعلى قول المعتزلة: لأجل المصلحة، والحكمة.
وقرأ زيد بن علي، والجحدري:» إنَّ ربَّك هُو الخَالِقُ «، وكذا هي في مصحف أبيّ وعثمان.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني} يحتمل أن يكون سبعاً من الآيات، وأن يكون سبعاً من السُّورِ، وأن يكون سبعاً من الفوائد، وليس في اللفظ ما يدلُّ على التَّعيين.

الصفحة 485