كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 11)

قوله: «وأسَرُّوهُ» الظَّاهرُ أن الضمير المرفوع يعود على السَّيَّارة، وقيل: هو ضمير إخوته، فعلى الأول: أن الوارد، وأصحابه أخفوا من الرفقةِ أنهم وجدوهُ في الجبّ، وقالواك إن قلنا للسَّيَّارة التقطناه شاركونا، وإن قلنا: اشتريناه سألونها الشّركة، فلا يضرُّ أن نقول: إنَّ أهل الماءِ جعلوه بضاعة عندنا على أن نبيعه بمصر.
وعلى الثاني: نقل ابنُ عبَّاسٍ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «وأسَرُّوهُ» يعني إخوة يوسف أخفوا كونه أخاهم، بل قالوا: إنَّهُ عبدٌ لنا أبقَ منا، ووافقهم يوسف على ذلك؛ لأنهم توعَّدوهُ بالقتلِ بلسانِ العِبرانيَّةِ.
و (بضاعَةً) نصب على الحال. قال الزَّجَّاج كأنه قال: «وأَسرّوه حال ما جعلُوه بضاعةً» ، وقيل: مفعول ثانٍ على إن يُضَمَّن «أَسَرُّوهُ» معنى صَيَّروه بالسِّرِّ.
والبضاعة: هي قطعةٌ من المالِ تعدُّ للتَّجارة من بضعت، أي: قطعت ومنه: المبضعُ لما يقطع به.
ثم قال: {والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} والمعنى: أنَّ يوسف لما رأى الكواكبَ والشمس، والقمر في النَّوم سجدتْ له، وذكر ذلك؛ حسده إخوته، فاحتالُوا في إبطال ذلك الأمر عليه، فأوقعوه في البلاءِ الشَّديد، حتى لا يتم له ذلك المقصود؛ فجعل الله تعالى وقوعه في ذلك البلاءٍ سبباً لوصوله إلى «مِصْرَ» ، ثمَّ تتابع الأمرُ إلى أن صار ملك مصر، وحصل ذلك الذي رآه في النَّوم، فكان العملُ الذي عمله إخوته دفعاً لذلك المطلوب، صيَّره الله سبباً لحصولِ ذلك المطلوب، ولهذا المعنى قال: {والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} .
قوله: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ} شَرَى بمعنى اشترى، قال الشاعر: [الطويل]
3071 - ولَوْ أنَّ هَذَا المَوْتَ يَقبَلُ فِذْيةً ... شَرَيْتُ أبَا زيْدٍ بمَا مَلكتْ يَدِي
وبمعنى: باع؛ قال الشاعر: [مجزوء الكامل]
3072 - وشَريْتُ بُرْداً ليْتَنِي ... مِنْ بعْدِ بُردٍ كُنْتُ هَامَهْ
فإن قلنا: المراد من الشِّراء نفس الشراءِ، فالمعنى: أنَّ القوم اشتروه، وكانوا فيه من الزَّاهدينَ؛ لأنهم علموا بقرائن الأحوال أنَّ إخوة يوسف كذبُوا في قولهم: إنَّهُ عبدُ لنا، وأيضاً عرفوا أنَّه ولدُ يعقوب، فكرهوا أيضاً شراءه؛ خوفاً من الله تعالى من ظهور تلك الواقعة، إلاَّ أنَّهُم مع ذلك اشتروه بالآخة؛ لأنُّهُم اشتروه بمثنٍ بخسٍ، وطمعوا

الصفحة 49