كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 11)

تقول: رأيت كالقمر في الحسن، أي: رأيت إنساناً كالقمرِ في الحسن، وأمَّا الحذف، فهو أن يقال: الكاف زائدة محذوفة، والتقدير: إني أنا النذير [المبين ما] أنزلناه على المقتسمين، وزيادة الكاف له نظير، وهو قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] .
الثامن: أنه منصوب نعتاً لمفعولٍ به مقدرب، والناصب لذلك المحذوف مقدرٌ أيضاً لدلالة لفظ «النَّذِير» عليه، أي: أنذركم عذاباً مثل العذاب المنزَّل على المقتسمين، وهنم قوم صالحٍ، أو قريش، قاله أبو البقاء رَحِمَهُ اللَّهُ وكأنه فرَّ من كونه منصوباً بلفظ «النَّذير» كما تقدَّم من الاعتراض البصريّ.
وقد ردَّ ابن عطية على القول السادس بقوله: والكاف في قوله: «كَمَا» متعلقة بفعلٍ محذوفٍ، تقديره: وقل إنِّي أنا النذير المبين عذاباً كما أنزلنا، فالكاف: اسم في موضعِ نصبٍ، هذا قول المفسِّرين.
وهو غير صحيح؛ لأنَّ: «كما أنزلنا» ليس ممَّا يقوله محمد صلوات الله وسلامه عليه بل هو من كلام الله تعالى فيفصل الكلام، وإنَّما يترتب هذا القول بأن يقدر أن الله تعالى قال له: أنذر عذاباً كما.
والذي أقول في هذا المعنى: «وقل إنّي أنا النذيرُ المبين كما قال قلبك رسلنا وأنزلنا عليهم كما أنزلنا عليك» .
ويحتمل أن يكون المعنى: وقل: إنِّي أنا النذيرُ المبينُ، كما قد أنزلنا في الكتب أنَّك ستأتي نذيراً على أن المقتسمين، هم أهل الكتاب، وقد اعتذر بعضهم عمَّا قاله أبو محمد فقال: الكاف متعلقة بمحذوف دلَّ عليه المعنى، تقديره: أنا النذير بعذاب مثل ما أنزلنا، وإن كان المنزل الله، كما تقول بعض خواصِّ الملكِ: أ/رنا بكذا، وإن كان الملك هو الآمرُ.
وأما قول أبي محمدٍ: «وأنزلنا عليهم، كما أنزلنا عليك» ؛ كلامٌ غير منتظم، ولعلَّ أصله: وأنزلنا عليك كما أنزلنا عليهم:، كذا أصلحه أبو حيان. وفيه نظر، كيف يقدر ذلك، والقرآن ناطق بخلافه، وهو قوله: {عَلَى المقتسمين} .
التاسع: أنه متعلق بقوله: «لنَسَألنَّهُمْ» تقديره: لنسألنَّهم أجمعين، مثل ما أنزلنا.
العاشر: أنَّ الكاف مزيدة، تقديره: أنا النذير ما أنزلناه على المقتسمين.
ولا بد من تأويل ذلك على أنَّ «ما» معفولٌ ب «النذير» عند الكوفيين، فإنَّهم يعملون الوصف للموصوف، أو على إضمار فعل لائقٍ أي: أنذركم ما أنزلناه كما يليق بمذهب البصريين.

الصفحة 491