كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 11)

الحادي عشر: أنه متعلق ب «قل» ، التقدير: وقيل قولاً كما أنزلنا على المقتسمين أنك نذير لهم، فالقول للمؤمنين في النَّذارةِ كالقول للكفَّار المقتسمين؛ لئلا يظنُّوا أنَّ إنذارك للكفار مخالف لإنذار المؤمنين، بل أنت في وصف النذارة لهم بمنزلة واحدة، تنذر المؤمن، كما تنذر الكافر، كأنه قال: أنا النذيرُ لكم، ولغيركم.
فصل
قال ابن عبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: المقتسمون: هم الَّذين اقتسموا طرق مكَّة يصدُّون النَّاس عن الإيمان برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ويقرب عددهم من أربعين.
وقال مقاتل بن سليمان رَحِمَهُ اللَّهُ: كانوا ستَّة عشر رجلاً بعثهم الوليد بن المغيرة أيَّام الموسم، فاقتسموا شعاب مكَّة، وطرقها يقولون لمن سلكها: لا تغتروا بالخارج منَّا، والمدعي للنبوَّة، فإنه مجنونٌ، وكانوا ينفِّرُونَ النَّاس عنه بأنه ساحرٌ، أو كاهنٌ، أو شاعرٌ، فطائفة منهم تقول: ساحرٌ،، وطائفة تقول: إنه كاهنٌ، وطائفة تقول: إنه شاعرٌ، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ بهم خزياً؛ فماتوا أشدَّ ميتة.
وروي عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أنهم اليهود، والنصارى {جَعَلُواْ القرآن عِضِينَ} جزءوه أجزاء، فآمنوا بما وافق التَّوراة، وكفروا بالباقي.
وقال مجاهد: قسموا كتاب الله تعالى ففرقوه، وبدلوه.
وقيل: قسَّموا القرآن، وقال بعضهم: سحر، وقال بعضهم: شعر، وقال بعضهم: كذبٌ، وقال بعضهم: ِأساطير الأولين.
وقيل: الاقتسام هو أنهم فرَّقوا القول في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فقال بعضهم: شاعرٌ، وقال بعضهم: كاهنٌ.
قوله: {الذين جَعَلُواْ} فيه أوجه:
أظهرها: أنه نعت ل «المٌقْتَسمِينَ» .
الثاني: أنه بدلٌ منه.
الثالث: أنه بيانٌ.

الصفحة 492