كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 11)

وعن مجاهد رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّه حلّ سراويله، وجعل يعالجُ ثيابه، وهذا قولُ سعيد بن جبير، والحسن، وأكثر المتقدمين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم.
وقيل غير ذلك.
وقال أكثرُ المتأخِّرين: إنَّ هذا لا يليقُ بحال الأنبياء عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ وقالوا: تم الكلام عند قوله: «ولقد همَّتْ بِهِ» ، ابتدأ الخبر عن يوسف فقال: {وَهَمَّ بِهَا لولاا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} على التَّقديمِ، والتأخير، أي: لولا أنه رأى برهان ربِّه لهم بها، لكنه رأى البُرهان، فلم يهمّ.
قال البغويُّ: «وأنكره النُّحاة، وقالوا: إنَّ العربَ لا تُؤخِّرُ» لَوْلاَ «عن الفعلِ فلا يقولون: قُمْتُ لولا زيدٌ، وهي تريدُ: لولا زيدٌ لقُمْتُ» .
وذكر ابنُ الخطيبِ: عن الواحديِّ أنه قال في البسيطِ: «قال المفسِّرُون: هم يوسف أيضاً بالمرأة همَّا صحيحاً، وجلس منها مجلس الرجُل من المرأةِ فلمَّا رأى البُرهانَ من ربه؛ زالت كلُّ شهوة عنه.
قال أبُو جعفرٍ الباقرُ بإسناده عن عليِّ كرَّم الله وجهه أنه قال: طمعت فيه، وطمع فيها «.
ثمَّ إنَّ الواحديَّ طول في كلمات عاريةٍ عن الفائدة في هذا الباب، ولم يذكر فيما احتج به حديثاً صحيحاً يعوَّل عليه في هذه المقالة، ورُويَ أنَّ يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ لمَّا قال: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} [يوسف: 52] قال له جبريل عليه السلام: ولا جين هممت يَا يوسف فقال عند ذلك:» ومَا أبرِّىءُ نَفْسِي «.
وقال بعضُ العلماءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم: الهمُّ همَّان:
همٌّ يخطرُ بالبالِ من غير أن يبرز إلى الفعل.
وهمٌّ يخطرُ بالبالِ، ويبرز إلى الفعل، فالأوَّلُ مغفورٌ، والثاني: غير مغفورٍ إلا أنْ يشاءَ اللهُ، ويشهدُ لذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} ، فهمُّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ كان خُطُراً بالبال من غير أن يخرج إلى الفعلِ، وهمُّها خرج إلى الفعل بدليل أنَّها {وَغَلَّقَتِ الأبواب وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23] ، {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ} [يوسف: 25] .
ويشهد للثاني قوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ» إذَا التَقَى المُسْلمَانِ بسيفَيْهِمَا فالقَاتِلُ

الصفحة 62