كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 11)

حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] قَالَ سفيان: الأحمس: الشديد في دينه (¬1). زاد أبو نعيم في "مستخرجه": وكان الشيطان قد استهواهم فقال لهم: إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم، فكانوا لا يخرجون من الحرم، وقيل: كانت قريش تتكبر أن تقف مع الناس.
ولابن إسحاق: حَدَّثَني عبد الله بن أبي بكر، عن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، عن عمه نافع، عن أبيه جبير قَالَ: رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - قائمًا مع الناس قبل أن ينزل عليه الوحي توفيقًا من الله تعالى له (¬2). وهذا يزيل شبهة من زعم أن رؤية جبير كانت بعد النبوة.
قَالَ ابن التين: وروي هذا الحديث، عن سفيان، عن عمرو، عن محمد، عن أبيه -مثل ما في البخاري- قَالَ فيه: رأيته - صلى الله عليه وسلم - قائمًا مع الناس قبل أن يبعث. فمن ها هنا قَالَ بعضهم: إنه - صلى الله عليه وسلم - حج في الجاهلية (¬3)، أما بعد الهجرة فواحدة، وأحاطت قريش به.
ثم ذكر البخاري من حديث هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ عُرْوَةُ: كَانَ النَّاسُ يَطُوفُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ عُرَاةً إِلَّا الحُمْسَ- وَالحُمْسُ: قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ .. الحديث، وفي آخره قالت عائشة: إِنَّ هذِه الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الحُمْسِ {ثُمَّ أَفِيضُوا} [البقرة: 199] قَالَ: كَانُوا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ، فَدُفِعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ.
¬__________
(¬1) "الجمع بين الصحيحين" للحميدي 3/ 368 وقول سفيان رواه مسندًا، البيهقي في "سننه" 5/ 114، كتاب: الحج، باب: الوقوف بعرفة.
(¬2) "سيرة ابن إسحاق" ص 76.
(¬3) ورد بهامش النسخة "م" ما نصه: قوله هذا هو الحج الأكبر يحمد له يكون الإشارة إلى يوم النحر ويؤيده رواية أبي داود عن ابن عمر أنه جعله وهو يوم النحر من الحمد له فقال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم النحر، قال: "هذا يوم الحج الأكبر" وإليه ذهب مالك، ويحمد له يكون إشارة أي يوم النحر الذي حج فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الصفحة 553