وفي "مسند أبي يعلى" من حديث أبي أيوب مرفوعًا: "ليستمتع أحدكم بحله ما استطاع، فإنه لا يدري ما يعرض له في إحرامه" (¬1)
وعمل بذلك أصحابه وعوام أهل العلم. وغير جائز أن يكون فعل أعلى من فعله أو عمل أفضل من عمله. وسئل مالك عن ذَلِكَ فتلا قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] (¬2).
والأولون اعتمدوا فعل الصحابة فإنهم أحرموا من قبلها: ابن عباس وابن مسعود وابن عمر وغيرهم، وهم أعرف بالسنة، وأصول أهل الظاهر تقتضي أنه لا يجوز الإحرام إلا من الميقات إلا أن يصح إجماع على خلافه.
¬__________
= "الإقناع"، والمحاملي في "المقنع"، وأبو الفتح نصر المقدسي في "الكافي"، وغيرهم، وهو الصحيح المختار، وقال الرافعي: في المسألة ثلاث طرق (أصحها) على قولين والثاني: القطع باستحبابه من دويرة أهله والثالث: إن من خشي على نفسه من ارتكاب محظورات الإحرام فدويرة أهله أفضل، وإلا فالميقات.
والأصح: على الجملة أن الإحرام من الميقات أفضل.
(¬1) رواه البيهقي 5/ 30 - 31 كتاب: الحج، باب: من استحب الإحرام من دويرة أهله ومن استحب التأخير إلى الميقات خوفًا من أن لا ينضبط، وقال: هذا إسناد ضعيف، واصل بن السائب: منكر الحديث، قاله البخاري وغيره. وضعفه الألباني في "الضعيفة" (212).
(¬2) قال الحطاب في "مواهب الجليل" 4/ 54: قال ابن مسدي في خطبة منسكه: وعن سفيان بن عيينة قال: قال رجل لمالك بن أنس: من أين أحرم؟ قال: أحرم من حيث أحرم - صلى الله عليه وسلم -. فأعاد عليه مرارًا وقال: فإن زدت على ذلك؟ قال: فلا تفعل فإني أخاف عليك الفتنة. قال: وما في هذِه من الفتنة إنما هي أميال أزيدها. فقال مالك: قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] قال: وأي فتنة في هذا؟ قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك أصبت فضلًا قصر عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو ترى أن اختيارك لنفسك في هذا خيرًا من اختيار الله لك واختيار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ا. هـ.