كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 11)

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سالم عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ، رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ» (¬١).
هذه الأحاديث اشتملت على فوائد كثيرة، وحكم عظيمة، منها:
قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا حسد، الحسد هنا بمعنى الغبطة، وهو أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن تزول عن غيره تلك النعمة.
قوله في الحديث: رجل آتاه الله القرآن، يعني حفظ القرآن وتلاوته والقيام به في صلاة الليل وتعليمه للناس، فهو مشتغل به قراءةً، وحفظًا، وتعليمًا.
قوله في الحديث: آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها، الحكمة هي البينات من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، يوفق الله لفهمها من يشاء من عباده، قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ} [الزخرف:٦٣].
فضل القضاء بين الناس، وأنه مما يحسد عليه المرء إذا وُفق للقضاء بالحق.
---------------
(¬١) صحيح البخاري برقم ٥٠٢٥، وصحيح مسلم برقم ٨١٥ واللفظ له.

الصفحة 8