كتاب ديوان السنة - قسم الطهارة (اسم الجزء: 12)

الحديث الآخر: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الجَنَّةَ».
قال القرطبي في (المفهم): كذا قال الشيوخ. وفيه نظرٌ؛ لأنه إذا كان قائل هذه الكلمات المقتضية للمعاني التي ذُكرتْ من التوحيد والتسليم والرضا إلى أن يموتَ كمن يقولُ: لا إله إلا الله ممن لم يخطرْ له شيءٌ من هذه الأمور، فأين فائدة هذه الكلمات العظيمة وتلك المقامات الشريفة؟ !
ويمكن أن يكون الجواب أن كلًّا منهما وإن ماتَ على الفطرة فبين الفطرتين ما بين الحالتين: ففطرة الأول فطرة المقربين، وفطرة الثاني فطرة أصحاب اليمين.
١١ - قوله: ((وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. قَالَ: لَا، «وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ»)) في روايةِ جريرٍ عن منصورٍ فقال: «قُلْ: وَبِنَبِيِّكَ» قال القرطبيُّ تبعًا لغيرِهِ: "هذا حجةٌ لمن لم يُجِزْ نقل الحديث بالمعنى. وهو الصحيحُ من مذهبِ مالكٍ فإن لفظَ النبوةِ والرسالةِ مختلفان في أصلِ الوضعِ، فإن النبوةَ من النبأ وهو الخبرُ، فالنبيُّ في العُرْفِ هو المُنَبَّأُ من جهةِ اللهِ بأمرٍ يقتضي تكليفًا، وإن أُمر بتبليغه إلى غيرِهِ فهو رسولٌ، وإلا فهو نبيٌّ غير رسول. وعلى هذا فكلُّ رسول نبي بلا عكس، فإن النبيَّ والرسولَ اشتركا في أمرٍ عامٍ وهو النبأُ وافترقا في الرسالةِ. فإذا قلت: (فلان رسول) تضمن أنه نبيٌّ رسولٌ. وإذا قلت: (فلان نبي) لم يستلزم أنه رسولٌ.
فأرادَ صلى الله عليه وسلم أن يجمعَ بينهما في اللفظِ لاجتماعهما فيه حتَّى يُفهم من كل واحد منهما من حيث النطق ما وُضع له، وليخرج عما يكون شبه التكرار في اللفظ من غير فائدة، فإنه إذا قال: (وَرَسُولكَ) فقد فُهم منه أنه أرسله. فإذا قال: (الَّذِي أَرْسَلْتَ) صَارَ كالحشو الذي لا فائدة فيه، بخلاف قوله: (وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) فلا تَكرار فيه لا مُتحققًا ولا متوهمًا" انتهى كلامه.

الصفحة 670