كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)

"""""" صفحة رقم 10 """"""
فلما رأوني قصدوني وهو عرايا حفاة عليهم سراويلات ملونة الخرق مرقعة ، فسلمت علي وشمكير ، فأبلغته رسالة أخيه ، وأعلمته ما هو فيه ، وما حازه من الملك ، فضرط بفيه في لحية أخيه ، وقال : إنه ليس السودا ، وخدم المسودة يعني الخلفاء ، فمازلت أمنيِّه وأطعمه حتى خرج معي ، فلما بلغنا قزوين اجتهدت به حتى لبس السودا ، ورأيت من جهله أشياء أستحي أن أذكرها ، ثم أعطته السعادة ما كان في الغيب ، فجاء من أعرق الملوك بتدبير الممالك ، وسياسة الرعايا ، وكان وصوله إلى أخيه في سنة عشرين وثلاثمائة .
ذكر مقتل مرداويج
كان مقتله في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة ، وسبب ذلك أنه كان كثير الإساءة إلى الأتراك ، وكان يقول : إن روح سليمان بن داود حلت فيه ، وإن الأتراك هم المردة والشياطين ، فإن أقهرهم ، وإلا افسدوا ، فثقلت وطأته عليهم ، فلما كان في ليلة الميلاد من هذه السنة ، لأمر بأن يجمع الحطب من الجبال والنواحي ، وأن يجعل على جانبي الوادي المعروف بزندره ، ويعمل مثله على الجبل المعروف بكر ثم كوه المشرف على أصفهان من أسفله إلى أعلاه بحيث إذا اشتعلت النيران يصير الجبل كله ناراً ، وعمل مثل ذلك بجميع الجبال والتلال التي هناك ، وجمع النفط ، ومن يلعب به ، وجمع له أكثر من ألفي غراب وحدأة ليجعل في أرجلها النفط ، وترسل لتطير في الهواء ، وأمر بعمل سماط عظيم كان فيه مائة فرس ، ومائتا رأس من البقر مشوية صحاحا ، وثلاثة آلاف رأس من الغنم شواء ، غير المطبوخ ومن الأرز والدجاج عشرة آلاف طائر ، وما يناسب ذلك من الحلوي ، وركب آخر النهار بغلمانه فطاف بالسماط ، ونظر إليه وإلى تلك الأخطاب ، فاستحقر الجميع لسعة البرية ، ولعن وغضب وعاد فدخل خركاه ، وقام ، فلم يجسر أحدٌ أن يكلِّمه ، واجتمع الأمراء والقواد وغيرهم ، وكادت الفتنة تقوم لخوفهم منه ، فأتاه وزيره العميد ، وتلطف به ، وعرَّفه ما الناس فيه ، فخرج ، وجلس على السِّماط ، وأكل ثلاث لقم ، ونهب الناس الباقي ، ولم يجلس للشراب ، وعاد إلى مكانه ، وأقام ثلاثة أيام لا يظهر ، فلما كان في اليوم الرابع أمر بإسراج الخيل ليعود إلى منزله ، فاجتمع خلق كثير وشغبت الدواب مع الغلمان ، وصهلت ، ولعبت ، فصار الغلمان يصيحون بال لتسكن ، فاجتمع من ذلك أصوات

الصفحة 10