كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)
"""""" صفحة رقم 107 """"""
ثم وقعت الحرب بينهم ببغداد ، وانتشرت أعراب ناصر الدولة بالجانب الغربي فمنعوا أصحاب معزِّ الدولة من الميرة والعلف ، فقلت الأسعار على الديلم ، وضاق الأمر على معزِّ الدولة ، حتى عزم على الرجوع إلى الأهواز ، وقال : نعمل معهم حيلة ، فإن أفادت ، وألا عدنا ، فراتب ما معه من المعابر بناحية التمارين ، وأمر وزيره أبا جعفر الصيمري ، واسفهدوست بالعبور ، ثم أخذ معه بقية العسكر ، وأظهر أنه يريد قطربل ، وسار ليلا ، ومعه المشاعل على شاطئ دجلة ، فسار أكثر عسكر ناصر الدولة بازائه ليمنعوه من العبور ، فتمكن الصيمري ومن معه العبور ، فعبروا فلما علم معز الدولة بعبور أصحابه عاد إلى مكانه : فعلموا بحيلتهن فلقيهم ينال كوشه في جماعة من أصحاب ناصر الدولة ، فهزموه واضطراب العسكر الحمداني ، وانهزموا ، وتبعهم ناصر الدولة ، وملك الديلم الجانب الشرقيَّ ، وعاد الخليفة إلى داره . وذلك في المحرم سنة خمس وثلاثين ، ونهب الديلم أموال الناس ببغداد ، وكان مقدار ما نهبوه من أموال المعروفين دون غيرهم عشرة آلاف ألف دينار ، وأمرهم معز الدولة برفع السيف ، والكف عن النهب ، وأمر الناس ، فلم ينتهوا ، فأمر وزيره الصيمري ، فركب ببغداد ، وقتل وصلب جماعة ، وطاف بنفسه ، فامتنعوا ، واستقر معز الدولة ببغداد ، وأقام ابن حمدان بعكبران فأرسل في الصلح بغير مشورة الأتراك التوزونية ، فهموا بقتله ، في شهر المحرم سنة خمس وثلاثين .
ذكر اقطاع البلاد وتخريبها
وفي سنة أربع وثلاثين أيضا شغب الجند على الأمير معز الدولة ، وأسمعوه المكروه ؛ بسبب أرزاقهم ، فوعدهم إلى مدة ، فاضطر إلى أخذ الأموال من غير وجهها ، ثم اقطع القرى جميعها التي كانت للسلطان ، وأحاب الأملاك ، فبطل لذلك أكثر الدواوين ، وكانت البلاد قبل ذلك قد خربت من الاختلاف والغلاء ، فأخذ القواد القرى العامرة ، فازدادت ما أخذوا خرابا ، واختلت البلاد بسبب ذلك ، وتعذر على معز الدولة جمع ذخيرة للنوائب ، وأقطع معز الدولة غلمانه على الأتراك ، وزادهم على الديلم ، فوقع بينهم بسبب ذلك الوحشة والمنافرة ، والله أعلم بالصواب .