كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)
"""""" صفحة رقم 117 """"""
على ما يريده ، فظن بختيار أنه ناصحُ له ، ففعل ذلك ، واستعفى من الإمارة ، وأغلق باب داره ، وصرف كتابه وحجّابه ، وراسله عضد الدولة ظاهراً بمحضرٍ من مقدمي الجند يشير عليه بتطييب قلوبهم ، وكان قد أوصاه سرّاً أنه لا يقبل منه ، فعمل بختيار بما أوصاه به ، وقال : لست أميرهم ، وقد برئت منهم وترددت الرسائل بينهم ثلاثة أيام ، هذا ، وعضد الدولة يغريهم به ، والشغب يزيد كل يوم ، فأرسل بختيار إلى عضد الدولة يطلب منه إنجاز ما وعد به ، ففرق الجند على عدةٍ جميلة ، واستدعى بختياراً وإخوته ، فقبض عليهم ، ووكل بهم ، وذلك لأربع بقين من جمادة الآخرة ، وجمع الناس ، وأعلمهم استفعاء بختيار من الإمارة لعجزه عنها ، ووعدهم الإحسان إليهم ، والنظر في أمورهم ، فسكنوا إلى قوله . واللَّه أعلم .
ذكر عودة بختيار إلى ملكه
قال : ولما قبض عضد الدولة على بختيار كان ولده المرزبان بالبصرة متولياً لها ، فامتنع على عضد الدولة ، وكتب إلى ركن الدّولة يشكو ما جرى على أبيه وعميَّه من عضد الدولة ، ومن أبي الفتح بن العميد ، ويذكر الحيلة التي تمَّت عليه ، فلما سمع ركن الدولة ذلك ألقى نفسه إلى الأرض ، وتمرَّغ عليها ، وامتنع من الأكل والشرب عدَّة أيام ، ومرض ، وكان محمد بن بقيَّة قد خدم عضد الدولة بعد بختيار ، وضمن منه مدينة واسط وأعمالها ، فلما صار إليها خلع طاعة عضد الدولة ، وخالف عليه ، وأظهر الإمتعاض لقبض بختيار ، وكاتَب عمران بن شاهين ، وطلب مساعدته فأجابه إلى ذلك ، وكان عضد الدولة قد ضمن لسهل بن بشر وزير الفتكين بلد الأهواز ، وأخرجه من حبس بختيار ، فكاتبه عمه أبن بقية ، واستماله فأجابه ، وكاتب ركن الدولة من عصي على ابنه عضد الدولة ، بالثبات والصبر ، وأنه على المسير إلى العراق لإخراج عضد الدولة ، وإعادة بختيار ، فاضطربت النواحي على عضد الدولة ، وتجاسر عليه الأعداء ، وانقطعت عنه موارد فارس ، ولم يبق بيده إلا قصبة بغداد ، وطمع فيه العامة ، فرأى إنفاذ أبي الفتح بن العميد برسالة إلى أبيه يعرفه ما جرى له ، وما فرق من الأموال ، وضعف بختيار عن حفظ البلاد ، وأنه إن أعيد خرجت المملكة وتدبير الخلافة عنهم ، وكان في ذلك ، بوارهم ، وسأله ترك نصرة بختيار ، وقال لأبي الفتح : فإن أجاب إلى ما تريد ، وإلا فقل له : إني أضمن منك أعمال العراق ، وأحمل إليك في كل سنة ثلاثين ألف درهم ، وأبعث بختياراً وإخوته إليك ، لنجعلهم بالخيار بين الإقامة عندك ، أو بعض بلاد فارس ، وإن أحببت إلى الري ، وأعود أنا إلى فارس ، فالأمر إليك ، وقال لإبن