كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)
"""""" صفحة رقم 125 """"""
ذكر عمارة عضد الدولة بغداد وما فعله من وجوه البر
وفي سنة تسع وستين وثلاثمائة شرع عضُد الدولة في عمارد بغداد وكانت قد خربت لتوالي الفتن فيها ، وعمّر مساجدها ، وأسواقها ، وأدرَّ الأموال على الأئمة ، والمؤذَّنين ، والفقهاء ، والغرباء ، والضعفاء ، وألزم أصحاب الأملاك الخراب بعمارتها ، وجدَّد ما دثر من الأنهار ، وأعاد حفرها ، وتسويتها وأطلق مكوس الحجّاج ، وأصلح الطرق من العراق إلى مكة ، وأطلق الصلات لأهل البيتوتات ، والشرف ، والضعفاء المجاورين بمكة والمدينة ، وفعل مثل ذلك بمشهد على ، والحسين ، وأجرى الجرايات على الفقهاء ، والمحدثين ، والمتكلمين ، والمفسرين ، والنحاة ، والشعراء والأطباء ، والحسَّاب ، والمهندسين ، وأذن لوزيره نصره بن هارون ، وكان نصرانياً بعمارة البيع ، والديرة ، وإطلاق الأموال لفقرائهم .
ذكر قصد عضد الدولة أخاه فخر الدولة ، وأخذ بلاده
قال : وفي هذه السنة سار عضد الدولة إلى بلا الجبل ، فاحتوى عليها ، وسبب ذلك أن عز الدولة بختياراً كان يكاتب فخر الدولة بعد موت ركن الدولة يدعوه إلى الإتفاق معه على عضد الدولة ، فأجابه إلى ذلك ، واتفقا عليه ، وعلم عضد الدولة بذلك ، فكتمه إلى الآن ، فلما خلا وجهه من أعدائه كاتبه يعاتبه على ما كان منه ، وستميله ، فأجاب جواب المناظر المناوىء ، وكان رسول عضد الدولة إليه خواشاده ؛ وهو من أكابر أصحابه ، فاستمال أصحاب فخر الدولة ، وضمن لهم الإقطاعات ، وأخذ عليهم العهود ، فلما عاد إلى عضد الدولة برز من بغداد ، وقدم جيوشه يتلو بعضها بعضاً ، فخرج إليه أصحاب فخر الدولة ، وانضموا إلى عسكره ، وخرج فخر الدولة من همذان هارباً إلى جرجان ، والتجأ إلى شمس المعالي قابوس بن وشمكير ، فأمنه ، وأوآه ، وحمل إليه فوق ما في نفسه ، وشركه فيما تحت يده من ملك وغيره ، وملك عضد الدولة ما كان بيد أخيه فخر الدولة : همذان ، والري ، وما بينهما من البلاد ، وسلم لأخيه مؤيد الدولة وجعله نائبه في تلك النواحي ، ثم عرج عضد الدولة على ولاية حسنويه ، فقصد نهاوند ، والدينور ففتحهما وعدة قلاع ، وأخذ ما فيها من ذخائر حسنوية ، وكانت جليلة المقدار ، وأصاب عضد الدولة في هذه السفرة