كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)
"""""" صفحة رقم 126 """"""
صرع ، كان قد حدث به وهو بالموصل ، فكتمه ، وصار كثير النسيان لا يذكر الشيء إلا بعد جهد كبير ، وبقي الصرع يعاوده إلى أن قتله على ما نذكر إن شاء اللَّه تعالى .
ذكر ملك عضد الدولة بلد الهكارية
وفي هذه السنة سير عضد الدولة جيشاً إلى الأكراد الهكَّارية بأعمال الموصل ، فأوقع بهم ، وحصر قلاعهم ، وطال مقام الجند في خصرها ، وكان من بالحصون من الأكراد ينتظرون نزول الثلج ليرحل العسكر عنهم ، فقدر الَّله تعالى أن الثلج تأخر نزوله في تلك السنة ، فطلبوا الأمان ، فأجيبوا إليه ، وسلَّموا القلاع ونزلوا إلى الموصل مع العسكر ، فلم يفارقوا أعمالهم غير يوم واحد حتى نزل الثلج ، ثم أن مقدم الجيش غدر بالهكَّارية ، وقتلهم على جانبي الطريق من معلثايا إلى الموصل نحو خمسة فراسخ . والَّله أعلم بالصواب .
ذكر وفاة عضد الدولة وشيء من أخباره وسيرته
كانت وفاته ببغداد في ثامن شوال سنة اثنين وسبعين وثلثمائة ، وذلك أنه اشتد به ما كان يعتاده من الصرع ، وضعفت قوته عن دفعه ، فخنقه ، فمات ، ودفن بمشهد علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه ، وجلس ابنه صمصام الدّولة للعزاء ، وأتاه الخليفة الطائع للَّه ، فعزّاه به ، وكان عمر الدولة سبعاً وأربعين سنة ، مدة سلطنته بالعراق خمس سنين وستة شهور ، وأما مدة ملكه ببلاد فارس منذ وفاة عمِّه عماد الدولة وإلى أن توفي هو : ثلاث وثلاثون سنة وأربعة أشهر وواحد وعشرون يوماً . قال : ولما حضرته الوفاة لم ينطلق لسانه بغير قول اللَّه تعالى : ما أغنى عنِّي ماليه . هلك عنِّي سلطانية ، وكان عاقلاً حسن السياسة ، شديد الهيبة ، بعيد الهمة ثاقب الرأي محباً للفضائل وأهلها ، باذلاً في مواضع العطاء ، مانعاً في أماكن الحزم ، ناظراً في عواقب الأمور ، وكان له شعر حسن فمنه قوله وقد أرسل إليه أبو تغلب بن حمدان يعتذر من مساعدته لبختيار ، ويطلب الأمان فقال عضد الدولة :
أأفاق حين وطئت ضيق خناقة . . . يبغي الأمان وكان يبغي صارما
فلأركبنَّ عزيمةً عضديةً . . . تاجية تدع الأنوف رواغما