كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)

"""""" صفحة رقم 127 """"""
وقال أبياتا ، فمنها بيت لم يفلح بعده ، وهي :
ليس شرب الكاس إلا في المطر . . . وغناءٍ من جوار في السحر
غانياتٍ سالباتٍ للنهي . . . ناعماتٍ في تضاعيف الوتر
مبرزات الكأس من مطلعها . . . ساقيات الراح من فاق البشر
عضد الدولة وابن ركنها . . . ملك الأملاك غلاب القدر .
ومن أخباره أنه كان في قصره جماعة من الغلمان يحمل إليهم مشاهراتهم من الخزانة ، فأمر أبا نصر خواشاذه أن يتقدم بصرف جوامكهم إلى نقيبهم في شهر ، وقد بقي منه ثلاثة أيام ، قال أبو النصر : فأنسيت ذلك أربعة أيام ، سألني عضد الدولة عن ذلك ، فاعتذرت بالنسيان ، فأغلظ لي ، فقلت : أمس استهل الشهر ، والساعة يحمل المال ، وما هذا مما يوجب شغل القلب ، فقال : المصيبة بما لا نعلم من الغلط أكبر منها في التفريط ، أما تعلم أنا إذا أطلقنا لهم ما لهم قبل محلِّه كان الفضل لنا عليهم ، وإذا أخرَّنا عنهم ذلك حتى استهلَّ الآخر حضروا عند عارضهم ، وطالبوه ، فيعدهم ، ثم يحضرون في اليوم الثاني ، فيعدهم ، ثم يحضرون في اليوم الثاني ، فيعدهم ، ثم يحضرون في اليوم الثالث ، ويبسطون ألسنتهم ، فتضيع المنّة ، وتحصل الجرأة ، وتكون إلى الخسارة أقرب منا إلى الربح ، وكان لا يعوَّل في الأمور إلا على الكفاءة ، ولا نجعل للشفاعات طريقاً إلى معارضة ما ليس من جنس الشافع ، ولا فيما يتعلق به . حكى أن مقدم جيشه أسفاربن كردويه شفع في بعض أنباء العدول ليتقدَّم عند القاضي بسماع البينَّة بتزكيته ، وتعديله ، فقال له : ليس هذا من أشغالك ، إنما الذي يتعلق بك الخطاب في زيادة قائد ، ونقل رتبة جندي ، وما يتعلق بهم ، وأما الشهادة وقبولها ، فهي إلى القاضي وليس لنا ، ولا لك الكلام فيه ، ومتى عرف القضاة من إنسان ما تجوز معه قبول شهادته ، فعلوا ذلك بغير شفاعة ، وكان رحمه اللَّه يخرج كل سنة أموالاً كثيرة للصدقة ، والبر في سائر البلاد ، ويأمر بتسليم ذلك إلى القضاة ، ووجوه الناس ليصرفوه إلى مستحقه ، وكان يوصل إلى العمال المتعطلين ما يقوم بهم ، ويحاسبهم به إذا عملوا ، وكان محباً للعلوم وأهلها ، مقَّربا لهم ، محسناً إليهم وكان يجلس معهم ، ويعارضهم في المسائل ، فقصده العلماء من كل بلد ، وصنفوا له الكتب منها : الإيضاح في النحو ، ومنها الحجَّة في القراآت ، ومنها الملكي في الطلب ،

الصفحة 127