كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)
"""""" صفحة رقم 14 """"""
وحسن السياسة كان شديد المؤاخذة ، قليل العفو ، يقتل على الذنب اليسير ، فضجر أصحابه منه ، واستطاعوا أياّمه ، واجمعوا على خلعه ، والقبض عليه ، وكان حينئذ غائبا عن جرجان ببعض قلاعه ، فلم يشعر إلا وقد أحاط العسكر به ، وانتهبوا أمواله ودوابّه ، وقصدوا استنزاله ، فمانع عن نفسه ، فرجعوا إلى جرجان ، واستولوا عليها وعصوا بها ، وبعثوا إلى ابنه منوجهر وهو بطبرسان يعِّفونه الحال ، ويستدعونه ليولوه أمرهم ، فسار عجلاً خوفا من خروج الأمر عنه ، فالتقوا ، واتفقوا على طاعته إن هو خلع أباه ، فأجابهم على كرٍه منه ، وكان شمس المعالي قد توجّه إلى بسطام ، فقصدوه ، فلما وصل منوجهر إلى أبيه اجتمع به ، وخلا معه ، وعرفه ما هو فيه ، وعرض عليه أن يقاتل معه من خرج عليه ، ولو كان فيه ذهاب نفسه ، فرأى قابوس خلاف ذلك ، وسهل عليه الأمر حيث صار إلى ابنه ، وسلم له خاتم الملك ، وانتقل إلى قلعته : جناشك ليتفرغ للعبادة ، وسار منوجهر إلى جرجان ، وضبط الملك ، واخذ في مداراة الذين خرجوا على أبيه ، فدخلوا عليه في بعض الأيام وحسنوا له قتل والده ، وخوفوه ، وصمموا على إعدامه ، وهو لا يجيبهم بكلمة ، ثم فرقوه وجاءوا إلى أبيه ، وقد دخل الطهارة ، وهو متخفف ، فأخذوا ما كان عليه من الكسوة ، وكان فصل الشتاء ، فصار يستغيث ويقول : أعطوني ، ولو جلَّ دابة حتى مات من شدة البرد ، وجلس ولده منوجهر للعزاء وكان قابوس غزير الأدب ، وافر العلم ، له رسائل ، وشعر حسن . وكان عالما بالنجوم .
قال : ولما ملك منوجهر لقبه الخليفة القادر بالله ملك المعالي ، ثم أرسل يمين الدولة محمود بن سبكتكين ، ودخل في طاعته ، وخطب له سائر منابر بلاده ، وتزوج ابنته ، فقوي عضده به ، وشرع منوجهر ف التدبير على قتله أبيه ، فأبادهم بالقتل والتَّشريد . واستمر في الملك إلى سنة عشرين وأربعمائة ، فتوفي فيها ، فكانت مدة ملكه سبع عشرة سنة .
ولما مات ملك بعده ابنه .