كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)
"""""" صفحة رقم 144 """"""
ذكر سلطنة جلال الدولة
هو أبو طاهر فيروز خسرو بن بهاء الدولة خسرو فيروز بن عضد الدولة ابن ركن الدولة بن بويه . ملك بعد وفاة أخيه مشرف الدولة ، في شهر ربيع الأول سنة ستة عشر وأربعمائة وكان عند وفاته بالبصرة ، وكان أبوه قد رتبه بها في حياته ، فلما مات مشرف الدولة خطب له ببغداد ، وطلب فلم يصعد إليها ، وإنما بلغ واسط ، وأٌقام بها ، ثم عاد إلى البصرة ، فقطعت خطبته ، وخطب لإبن أخيه أبي كاليجار ابن سلطان الدولة في شوال ، وهو حينئذ صاحب خوزستان ، فما اتَّصل ذلك بجلال الدولة أصعد إلى بغداد ، فانحدر عسكر ليرده عنها ، وقاتلوه ونهبوا بعض خزائنه ، فعاد إلى البصرة ، وأرسلوا إلى الملك أبي كالنجار ليحضره إلى بغداد ، فوعدهم بذلك ، ولم يمكنه . لأن الحرب كانت بينه وبين عمه أبي الفوارس صاحب كرمان ، وانقطعت خطبة جلال الدولة إلى سنة ثمان عشرة وأربعمائة ، ثم عاد إلى السلطنة ، وكان سبب ذلك أن الأتراك كانوا قد طمعوا في الناس ببغداد ، وصادروهم ، وأخذوا أموالهم ، وعظم الخطب ، وزاد الشر ، وأحرقت المنازل ، والدروب ، والأسواق ، وطمع العيّارون ، والعامة ، فكانوا يدخلون على الرجل فيطالبونه بذخائره كما يفعل السلطان بمن يصادره ، ووقعت الحرب بين العامّة والجد ، فطفر الجند بهم ، ونهبوا الكرخ وغيره ، وذلك في سنة سبع عشرة ، فلما رأى القوادّ وعقلاء الجند أن الملك أبا كاليجار لا يصل إليهم ، وأن البلاد قد خربت ، وطمع فيهم المجاورون لهم من الأعراب والأكراد ، وقصدوا دار الخلافة ، وراسلوا الخليفة القادر بالله ، واعتذروا من انفرادهم بالخطبة لجلال الدولة أولاً ، وردَّهم له ثانياً ، وبالخطبة لأبي كالنجار ، وقالوا : إن أمير المؤمنين صاحب الأمر ونحن العبيد ، وقد أخطأنا ، ونسأل العفو ، ولا يدّلنا ممّن يجمع كلمتنا ، وسألوا أن يرسل الخليفة إلى جلال الدولة ليصعد إلى بغداد ، ويملكه ويجمع الكلمة ، وأن يحلفه رسول الخليفة ، فأجابهم الخليفة إلى ما سألوا ، وراسله هو وقواد الجند في الإصعاد ، واليمين للخليفة ، ولهم ، فحلف لهم ، وأصعد إلى بغداد ، وانحدر الأتراك إليه ، فلقوه في الطريق ، ووصل بغداد في ثالث شهر رمضان سنة ثماني عشرة وأربعمائة ، ونزل بالنجمي ، فركب الخليفة في الطيّار ، وانحدر لتلقيه ، فلما رآه جلال الدولة ، قبل الأرض بين يديه ، ثم دخل جلال الدولة إلى دار المملكة ، وأمر بضرب السُّوب الخمس على بابه في أوقات الصلوات ، فراسله الخليفة في قطعها ، فقطعها غضباً ، ثم أذن له الخليفة في إعادتها ففعل .