كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)

"""""" صفحة رقم 145 """"""
ذكر شغب الأتراك ببغداد على جلال الدولة
وفي سنة تسع عشرة وأربعمائة ثار الأتراك ببغداد على جلال الدولة ، وطالبوا الوزير أبا علي بن ماكولا بمالهم من المعلوم ، ونهبوا داره ودور كتاب جلال الدولة ، وحواشيه ، حتى المغنِّين ، والمخنثين ، ونهبوا صياغات أخرجها جلال الدولة ، ليضربها دنانير ودراهم ، ويغرفها فيهم ، وحصروا جلال الدولة في داره ، ومنعوه الطعام والماء حتى شرب أهله ماء البئر ، وأكلوا ثمرة البستان ، فسألهم أن يمكنوه من الانحدار ، فتأخروا له ولأهله ، فجعل بين الدار وبين السفن سرادقاً لتجتاز حرمه فيه ، لئلا يراهم العامة والأجناد ، فقصد بعض الأتراك السرادق ، فظن جلال الدولة أنهم يريدون الحريم ، فصاح بهم ، وقال : بلغ من أمركم إلى الحريم ؟ وتقدم إليهم وبيده طبر ، فصاح صغار الغلمان ، والعامة : جلال الدولة يا منصور ؛ ونزل أحدهم عن فرسه ، وأركبه إياه ، وقبلوا الأرض بين يديه ، فرجعوا إلى منازلهم ، ولم تمض عشرة أيام حتى عادوا ، وشغبوا ؛ فباع جلال الدولة فرشه ، وثيابه ، وخيامه ، وفرق أثمان ذلك فيهم ، فسكنوا ، وضعف حال جلال الدولة ، وقلت الأموال عنده ، وطمع القواد فيه ، حتى انتهى حاله في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة في شهر رجب أن أخرج دوابه من الإصطبل ، وهي خمس عشرة دابة وسيَّبها في الميدان ، بغير سايس ، ولا حافظ ، ولا علف ، فقيل : إنه فعل ذلك لأمرين : أحدهما : عدم العلف عنده ، والثاني : أن الأتراك كانوا يلتمسون دوابه يطلبونها منه ، فضجر من ذلك ، فأخرجها ، وقال : هذه دوابي ، خمسة لمركوبي ، والباقي لأصحابي ، وفرق حواشيه ، وفراشيه ، وأتباعه ، وأغلق باب داره لإنقطاع جاريه فثارت فتنة لذلك بين العامة والجند ، وعظم الأمر ، وظهر العيّارون ببغداد .
ذكر وثوب الجندية وإخراجه من بغداد وعوده إليها
وفي سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة في شهر ربيع الأول ، تجددت الفتنة بين جلال الدولة وبين الأتراك وبين الأتراك ، فأغلق بابه ، فجاء الأتراك ونهبوا داره ، وسلبوا الكتّاب ، وأرباب الديوان ثيابهم ، وطلبوا الوزير أبا إسحاق السهيلي ، فهرب ، وخرج جلال الدولة إلى عكبرا ، في شهر ربيع الآخر ، وخطب الأتراك ببغداد للملك أبي كاليجار ، وأرسلول إليه يطلبونه وهو بالأهواز ، فمنعه العادل بن ماقيه من الإصعاد إلى

الصفحة 145