كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)
"""""" صفحة رقم 146 """"""
أن يحضر بعض قوادهم ، فلما رأوا إمتناعه من الوصول إليهم ، أعادوا خطبة جلال الدولة ، وساروا إليه ، وسألوه العود إلى بغداد ، فعاد بعد ثلاثة وأربعين يوماً .
واستوزر أبا القاسم بن ماكولا ، ثم عزله ، واستوزر بعده عميد الملك أبا سعيد عبد الرحيم ، فوزر أياماً ثم استتر ، وسبب ذلك أن جلا الدولة تقدم إليه بالقبض على أبي المعّمر إبراهيم بن الحسين البسامي طمعاً في ماله عليه ، وجعله في داره فقبض فثار الأتراك ، وقصدوا دار الوزير ، وضربوه ، وأخرجوا من داره حافياً ، ومزقوا ثيابه وعمامته ، وأخذوا خواتيمه فدميت إصبعه ، وكان جلال الدولة في الحمام ، فخرج فزعاً لينظر ما الخبر ، فوجد الوزير فقبلّ الأرض ، وذكر ما فعل به ، فقال له جلال الدولة أنا ابن بهاء الدولة ، وقد فعل فيَّ أكثر من هذا ، ثم أخذ من البسامي ألف دينار ، وأطلقه ، واختفى الوزير .
وفي سنة أربع وعشرين وأربعمائة في شهر رمضان شغب الجند على جلال الدولة ، وقبضوا عليه ، وأخرجوه من داره ، ثم سألوه ليعود إليها فعاد ، وسبب ذلك أنه استقدم الوزير أبا القاسم من غير أن يعلموا ، فاستوحشوا من ذلك ، واجتمعوا وهجموا عليه في داره ، وأخرجوه إلى مسجد هناك ، فوكلوا به فيه ، وأسمعوا ما يكره ، ونهبوا بعض ما في داره ، فجاء بعض القواد في جماعة من الجند ، وأعاده إلى داره ، فنقل جلال الدولة حرمه ، وما فضل في داره بعد النهب ، إلا الجانب الغربي ، ونزل وبدار المرتضى ، وعبر الوزير معه ، ثم أرسله الجند ، وقالوا نريد أن تنحدر عنا إلى واسط ، وأنت ملكنا ، وتترك عندنا بعض أولادك الأصاغر ، فأجابهم إلى ذلك ، وأرسل سراً إلى الغلمان الأصاغر ، واستمالهم ، وإلى كل واحد من الأكابر واستماله ، وقال : إنما وثوقي بك وسكوتي إليك ، فمالوا إليه ودخلوا عليه ، وقبلوا الأرض بين يديه ، وسألوه العود إلى داره ، فعاد وحلف لهم على الإخلاص ، والإحسان إليهم ، وحلفوا له على المناصحة .
وفي سنة سبع وعشرين وأربعمائة عاد الجند إلى الشغب وثاروا به وأرادوا إخراجه من بغداد ، فاستمهلهم ثلاثة أيام ، فلم يمهلوه ، ورموه بالآجر ، فأصابه بعضه ، فاجتمع الغلمان ، وردّهم عنه ، فخرج من باب لطيف ، وركب في سماريَّة متنكَّراً ، وصعد راجلاً منها إلى دار المرتضى بالكرخ ، ثم سار إلى رافع بن الحسين بتكريت ، وكسّر الأتراك باب داره ، ودخلوها ، ونهبوها ، وخلعوا كثيراً من ساجها وأبوابها ، فأرسل الخليفة إليهم ، وسكنهم ، وأعاده إلى بغداد . واللَّه أعلم .