كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)

"""""" صفحة رقم 170 """"""
ذكر عودة السلطان إلى بغداد
قال : وكان عود السلطان إلى بغداد ، في سنة تسع وأربعين ، فخرج رئيس الرؤساء إلى لقائه ، وأبلغه سلام الخليفة ، واستيحاشه ، قبل الأرض ، وقدم رئيس الرؤساء جاماً من ذهب فيه جواهر ، وألبسه فرجية جاءت معه من عند الخليفة ، فلبسها ، ووضع العمامة على مخدّته ، فقبل السلطان الأرض ، ويم يمكن أصحابه من النزول في دور الناس ، وطلب الاجتماع مع الخليفة فأذن له في ذلك ، وجلس الخليفة يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة من السنة جلوسا عاما ، وحضر وجوه عسكر السلطان ، وأعيان بغداد ، وحضر السلطان والخليفة جالس على سرير من الأرض ، نحو سبعة أذرع ، وعليه بردة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وبيده القضيب الخيزران ، فقبل السلطان الأرض ويد الخليفة ، واجلس على كرسي ، فقال الخليفة لرئيس الرؤساء : قل له إن أمير المؤمنين شاكر لسعيك ، حامد لفعلك ، مستأنس بقربك ، وقد ولاَّك جميع ما ولاَّه الله من بلاده ، ورد عليك مراعاة عباده ، فاتق الله فيما ولاَّك ، واعرف نعمته عليك في ذلك ، واجتهد في نشر العدل ، وكف الظلم ، وإصلاح الرعية ، فقبَّل الأرض ، وأمر الخليفة بإفاضة الخلع عليه ، فقام إلى موضع لبسها فيه ، وعاد فقبل يد الخليفة ، ووضعها على عينيه ، وخاطبه الخليفة بملك المشرق والمغرب ، وأعطى العهد ، وخرج ، فأرسل إلى الخليفة هدية كبيرة ، منها خمسون ألف دينار ، وخمسون مملوكا أتراكا ، من أجود ما يكون بخيولهم ويلاحهم ، وغير ذلك من الثياب ، وغيرها .
ذكر مفارقة إبراهيم ينال الموصل وما كان من آمره إلى أن قتل
وفي سنة خمسين وأربعمائة فارق إبراهيم ينال الموصل ، وتوجه نحو بلاد الجبل ، فنسب السلطان رحيله إلى العصيان وأرسل إليه يستدعيه ، وبعث الفرجية التي خلعها عليه الخليفة ، وكتب الخليفة أيضاً إليه كتباً ، فرجع إبراهيم إلى السلطان ، وهو ببغداد ، فخرج الوزير الكندري لاستقباله ، وأرسل الخليفة إليه الخلع ، ولما فارق إبراهيم الموصل استولى عليها البساسيري ، كما قدمناه ، فسير السلطان إليها جريدة في ألفي فارس ، وكان قد فرق عساكره بسبب النوروز ، فارقها البساسيري ومن معه ، فسار

الصفحة 170