كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)
"""""" صفحة رقم 173 """"""
كاكويه ، وغيره من وجه الأمراء ، وأعيان الري ، فلما وصلوا امتنع الخليفة من الإجابة ، وقال : إن أعفينا ، وغلا خرجنا من بغداد ، فقال : عميد الملك : كان الواجب الامتناع من غير اقتراح وعد الإجابة إلى ما طلب ، فالامتناع سعي على دمي ، واخرج خيامه إلى النهروان فاستوقفه قاضي القضاة ، والشيخ أبو منصور بن يوسف فانهيا إلى الخليفة عاقبة انصرافه ، فكتب الخليفة إلى عميد الملك يقول : نحن نرد الأمر إلى رأيك ، ونعوِّل على أمانتك ودينك ، فحضر يوما عند الخليفة ، ومعه جماعة من الأمراء ، والحجّاب ، والقضاة ، والشهود ، فتكلم ، وقال للخليفة : أسأل مولانا أمير المؤمنين ، التطول بذكر ما شرف به العبد المخلص شاهنشاه ركن الدين فيما رغب ليعرفه الجماعة ، فغالطه ، وقال : قد سطر في المعنى ما فيه كفاية ، فانصرف عميد الملك ، ورحل في السادس والعشرين من جمادى الآخرة ، وأخذ المال معه إلى همذان ، فكتب السلطان إلى قاضي القضاة ، وإلى الشيخ أبي منصور بن يوسف يعتب ، ويقول : هذا جزائي من الخليفة الذي قتلت أخي في خدمته ، وأنفقت مالي في نصرته ، وأهلكت خواصي في محبته ، وأطال العتاب ، فعاد الجواب بالاعتذار ، وطلب السلطان طغرلبك ابنة أخيه زوجة الخليفة ؛ لتعاد إليه ، وجرى ما كاد يقضي إلى الفساد الكلي ، فلما رأى الخليفة شدة الأمر أذن في ذلك ، وكتب الوكالة باسم عميد الملك الوزير ، وكان العقد في شعبان سنة أربع وخمسين بظاهر تبريز ، وهذا لم يجر مثله ، فإن بني بويه مع تحكمهم على الخلفاء ما طمعوا بمثل هذا ، وحمل السلطان أموالاً كثيرة ، وجواهر نفيسة للخليفة ، ولولي العهد ، وللجهة المطلوبة ، ولوالدتها ، وغيرهم .
ذكر وصول السلطان إلى بغداد ودخوله بابنة الخليفة
وفي سنة خمس وخمسين وأربعمائة في المحرم توجه السلطان طغرلبك من أرمينية إلى بغداد ، وأراد الخليفة أن يستقبله ، فاستعفى من ذلك ، ووصل عميد الملك إلى الخدمة ، وطالب بالجهة ، فقيل له : خطك موجود بالشرط ، وأن المقصود بهذه الوصلة التشريف لا الإجتماع ، وإنه أن كانت مشاهدة ، فتكون في دار الخلافة ، فقال للخليفة : السلطان يفعل هذا ، ولكن يفرد له من الدور والمسكن ما يكفيه ، ومن خواصه ، وحجابه ، ومماليكه ، فإنه لا يمكنه مفارقتهم ، فحينئذ نقلت إلى دار المملكة في منتصف صفر ، وجلست على سرير ملبس بالذهب ، ودخل السلطان إليها ، وقبل الأرض ، وخدمها ، ولم يكشف الخمار عن وجهها ، ولا قامت هي له ، وحمل لها أشياء كثيرة من الجواهر ، وغيرها ، وبقي يحضر في كل يوم ، ويخدم ، وينصرف ، وعمل السِّماط ، عدّة أيام ، وخلع على عميد الملك ، وجميع الأمراء .